الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو عوانة ( ع )

                                                                                      هو الإمام الحافظ ، الثبت ، محدث البصرة الوضاح بن عبد الله ، مولى يزيد بن عطاء اليشكري ، الواسطي ، البزاز . كان الوضاح من سبي جرجان . مولده : سنة نيف وتسعين . رأى الحسن ، ومحمد بن سيرين .

                                                                                      وروى عن : الحكم بن عتيبة ، وزياد بن علاقة ، وقتادة ، وسماك بن حرب ، والأسود بن قيس ، وإسماعيل السدي ، وعمرو بن دينار ، وعاصم بن كليب ، وأبي الزبير ، وحصين بن عبد الرحمن ، ويعلى بن عطاء ، ومنصور بن المعتمر ، وعمر بن أبي سلمة ، وأبي إسحاق ، ومغيرة بن مقسم ، ومنصور بن زاذان العابد ، وأبي بشر جعفر بن إياس ، وعمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي مالك الأشجعي ، وإبراهيم بن مهاجر ، وسعيد بن مسروق الثوري ، ويزيد بن أبي زياد ، وعاصم الأحول ، وعبد الملك بن عمير ، وسعد بن إبراهيم الزهري ، وداود الأودي ، وعدة . وكان من أركان الحديث . [ ص: 218 ]

                                                                                      روى عنه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، مع تقدمه ، وابن المبارك ، وابن مهدي ، وحبان بن هلال ، وعفان بن مسلم ، وخلف بن هشام ، وسعيد بن منصور ، ومحمد بن أبي بكر المقدم ، وشيبان بن فروخ ، وقتيبة بن سعيد ، وأبو الوليد الطيالسي ، ويحيى بن يحيى ، ويحيى بن عبد الحميد ، وعمرو بن عون ، ومحمد بن المنهال الضرير ، وأحمد بن عبد الملك الحراني ، وخلق كثير . وأكثر عنه ختنه يحيى بن حماد ، وأبو كامل الجحدري ، وأبو الربيع الزهراني ، ومحمد بن عبيد بن حساب ، ومسدد ، ولوين ، والهيثم بن سهل خاتمتهم .

                                                                                      قال عفان : أبو عوانة أصح حديثا عندنا من شعبة .

                                                                                      وقال أحمد بن حنبل : هو صحيح الكتاب ، وإذا حدث من حفظه ربما يهم .

                                                                                      وقال عفان بن مسلم : كان أبو عوانة صحيح الكتاب ثبتا ، كثير العجم والنقط .

                                                                                      وقال يحيى بن سعيد القطان : ما أشبه حديثه بحديث سفيان ، وشعبة .

                                                                                      وقال عفان : سمعت شعبة يقول : إن حدثكم أبو عوانة عن أبي هريرة فصدقوه .

                                                                                      قال الحافظ بن عدي : كان مولاه يزيد قد خيره بين الحرية ، وكتابة الحديث ، فاختار كتابة الحديث . وفوض إليه مولاه التجارة ، فجاءه سائل ، فقال : أعطني درهمين ، فإني أنفعك ، فأعطاه ، فدار السائل على رؤساء [ ص: 219 ] البصرة ، وقال : بكروا على يزيد بن عطاء ، فإنه قد أعتق أبا عوانة . قال : فاجتمعوا إلى يزيد وهنئوه ، فأنف من أن ينكر ذلك ، فأعتقه حقيقة .

                                                                                      وروى أبو عمر الضرير ، عن أبي عوانة ، قال : دخلت على همام بن يحيى وهو مريض أعوده ، فقال لي : يا أبا عوانة ، ادع الله أن لا يميتني حتى يبلغ ولدي الصغار . فقلت : إن الأجل قد فرغ منه ، فقال لي : أنت بعد في ضلالك .

                                                                                      قلت : بئس المقال هذا ، بل كل شيء بقدر سابق ، ولكن وإن كان الأجل قد فرغ منه ، فإن الدعاء بطول البقاء قد صح . دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخادمه أنس بطول العمر والله يمحو ما يشاء ويثبت . فقد يكون طول العمر في [ ص: 220 ] علم الله مشروطا بدعاء مجاب ، كما أن طيران العمر قد يكون بأسباب جعلها من جور وعسف ، و لا يرد القضاء إلا الدعاء والكتاب الأول ، فلا يتغير .

                                                                                      قال محمد بن غالب تمتام : سمعت يحيى بن معين يقول : كان أبو عوانة يقرأ ولا يكتب .

                                                                                      وروى عباس الدوري ، عن يحيى قال : كان أبو عوانة أميا يستعين بمن يكتب له .

                                                                                      قال حجاج الأعور : قال لي شعبة : الزم أبا عوانة .

                                                                                      وقال جعفر بن أبي عثمان : سئل يحيى بن معين : من لأهل البصرة مثل زائدة ؟ يعني في الكوفة . فقال : أبو عوانة . قال : وزهير كوهيب .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن مهدي : أبو عوانة ، وهشام الدستوائي كسعيد بن [ ص: 221 ] أبي عروبة ، وهمام .

                                                                                      وقال يحيى القطان : أبو عوانة من كتابه أحب إلي من شعبة من حفظه .

                                                                                      وروى حنبل ، عن ابن المديني ، قال : كان أبو عوانة في قتادة ضعيفا ، ذهب كتابه ، وكان يتحفظ من سعيد ، وقد أغرب فيها أحاديث .

                                                                                      قال يعقوب السدوسي : الحافظ أبو عوانة هو أثبتهم في مغيرة ، وهو في قتادة ليس بذاك .

                                                                                      وقال عبيد الله بن موسى العبسي : قال شعبة لأبي عوانة : كتابك صالح ، وحفظك لا يسوى شيئا ، مع من طلبت الحديث ؟ قال : مع منذر الصيرفي . قال : منذر صنع بك هذا .

                                                                                      قلت : استقر الحال على أن أبا عوانة ثقة . وما قلنا : إنه كحماد بن زيد ، بل هو أحب إليهم من إسرائيل ، وحماد بن سلمة ، وهو أوثق من فليح بن سليمان ، وله أوهام تجانب إخراجها الشيخان .

                                                                                      مات في ربيع الأول سنة ست وسبعين ومائة بالبصرة .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا محمد بن عمر ، ومحمد بن علي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أخبرنا أبو الفضل الزهري ، حدثنا جعفر الفريابي ، حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي موسى : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ، ريحها طيب ، وطعمها طيب . . . وذكر الحديث . وقد سقته في أخبار قتادة . [ ص: 222 ]

                                                                                      أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، بنابلس ، ويوسف بن أحمد بن غالية بدمشق ، قالا : أخبرنا موسى بن عبد القادر ، أخبرنا سعيد بن أحمد ، أخبرنا علي بن البسري ، أخبرنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا العباس بن الوليد النرسي ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تزالون تسألون حتى يقال لكم : هذا الله خلقنا ، فمن خلق الله ؟ قال أبو هريرة : إني لجالس يوما ، إذ قال لي رجل : هذا الله خلقنا ، فمن خلق الله ؟ فجعلت أصبعي ، في أذني ، ثم صرخت : صدق الله ورسوله : الله الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . هذا حديث حسن غريب .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية