الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحيض وقول الله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى قوله ويحب المتطهرين

                                                                                                                                                                                                        باب كيف كان بدء الحيض وقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا شيء كتبه الله على بنات آدم وقال بعضهم كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل قال أبو عبد الله وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر

                                                                                                                                                                                                        290 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت القاسم بن محمد يقول سمعت عائشة تقول خرجنا لا نرى إلا الحج فلما كنا بسرف حضت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قال ما لك أنفست قلت نعم قال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر [ ص: 476 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 476 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الحيض ) أصله السيلان ، وفي العرف جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات معلومة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقول الله تعالى ) بالجر عطفا على الحيض ، والمحيض عند الجمهور هو الحيض ، وقيل زمانه ، وقيل مكانه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أذى ) قال الطيبي : سمي الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته . وقال الخطابي : الأذى المكروه الذي ليس بشديد ، كما قال تعالى لن يضروكم إلا أذى ، فالمعنى أن المحيض أذى يعتزل من المرأة موضعه ولا يتعدى ذلك إلى بقية بدنها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فاعتزلوا النساء في المحيض روى مسلم وأبو داود من حديث أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت ، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فنزلت الآية فقالاصنعوا كل شيء إلا النكاح فأنكرت اليهود ذلك ، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا : يا رسول الله ألا نجامعهن في الحيض ؟ يعني خلافا لليهود ، فلم يأذن في ذلك . وروى الطبري عن السدي أن الذي سأل أولا عن ذلك هو ثابت بن الدحداح .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 477 ] قوله : ( باب كيف كان بدء الحيض ) أي ابتداؤه ، وفي إعراب " باب " الأوجه المتقدمة أول الكتاب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا شيء ) يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه ، لكن بلفظ " هذا أمر " وقد وصله بلفظ " شيء " من طريق أخرى بعد خمسة أبواب أو ستة ، والإشارة بقوله " هذا " إلى الحيض .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال بعضهم : كان أول ) بالرفع ; لأنه اسم كان والخبر " على بني إسرائيل " أي على نساء بني إسرائيل ، وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا ، فكانت المرأة تتشرف للرجل ، فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد وعنده عن عائشة نحوه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر ) قيل معناه أشمل ; لأنه عام في جميع بنات آدم ، فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن ، أو المراد أكثر شواهد أو أكثر قوة ، وقال الداودي ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم ، فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أريد به الخصوص . قلت : ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده .

                                                                                                                                                                                                        وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم وامرأته قائمة فضحكت أي حاضت . والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب ، وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس " أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة " ، وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الأمر بالنفساء ) أي الأمر المتعلق بالنفساء ، والجمع في قوله : ( إذا نفسن ) باعتبار الجنس ، وسقطت هذه الترجمة من أكثر الروايات غير أبي ذر وأبي الوقت ، وترجم بالنفساء إشعارا بأن ذلك يطلق على الحائض لقول عائشة في الحديث ( حضت ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - لها ( أنفست ) [ ص: 478 ] وهو بضم النون وفتحها وكسر الفاء فيهما ، وقيل بالضم في الولادة وبالفتح في الحيض ، وأصله خروج الدم لأنه يسمى نفسا ، وسيأتي مزيد بسط لذلك بعد بابين . قوله : ( سمعت القاسم ) يعني أباه ، وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا نرى ) بالضم أي لا نظن . و " سرف " بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء موضع قريب من مكة بينهما نحو من عشرة أميال ، وهو ممنوع من الصرف وقد يصرف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فاقضي ) المراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( غير أن لا تطوفي بالبيت ) زاد في الرواية الآتية " حتى تطهري " وهذا الاستثناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة ، وسيأتي الكلام على هذا الحديث بتمامه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية