الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 3 ] كتاب الظهار الظهار : مشتق من الظهر ، وإنما خصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء ; لأن كل مركوب يسمى ظهرا ، لحصول الركوب على ظهره في الأغلب ، فشبهوا الزوجة بذلك . وهو محرم ; لقول الله تعالى : { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } . ومعناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم . قال الله تعالى : { ما هن أمهاتهم } . وقال تعالى : { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } . والأصل في الظهار الكتاب والسنة ; أما الكتاب فقوله تعالى : { الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم } . والآية التي بعدها .

                                                                                                                                            وأما السنة ، فروى أبو داود ، بإسناده عن { خويلة بنت مالك بن ثعلبة ، قالت : ظاهر مني أوس بن الصامت ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ، ويقول : اتقي الله ; فإنه ابن عمك . فما برحت حتى نزل القرآن : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } . فقال : يعتق رقبة . فقلت : لا يجد . قال : فيصوم شهرين متتابعين . فقلت : يا رسول الله ، إنه شيخ كبير ، ما به من صيام . قال : فليطعم ستين مسكينا . قلت : ما عنده من شيء يتصدق به . قال : فإني سأعينه بعرق من تمر . فقلت : يا رسول الله ، فإني أعينه بعرق آخر . قال : قد أحسنت ، اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا ، وارجعي إلى ابن عمك . } قال الأصمعي : العرق ، بفتح العين والراء : هو ما سف من خوص ، كالزنبيل الكبير .

                                                                                                                                            وروى أيضا ، بإسناده عن سليمان بن يسار ، عن { سلمة بن صخر البياضي ، قال : كنت أصيب من النساء ما لا يصيب غيري ، فلما دخل شهر رمضان ، خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتتابع حتى أصبح ، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان ، فبينا هي تخدمني ذات ليلة ، إذ تكشف لي منها شيء ، فلم ألبث أن نزوت عليها ، فلما أصبحت خرجت إلى قومي ، فأخبرتهم الخبر ، وقلت : امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : لا والله . فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر ، فقال : أنت بذاك يا سلمة ؟ . فقلت : أنا بذاك يا رسول الله ، وأنا صابر لحكم الله ، فاحكم في ما أراك الله . قال : حرر رقبة . قلت : والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها . وضربت صفحة رقبتي . قال : فصم شهرين متتابعين . قلت : وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام ؟ . قال : فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا . قلت : والذي بعثك بالحق ، لقد بتنا وحشين ، ما لنا طعام . قال : فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق ، فليدفعها إليك . قال : فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر ، وكل أنت وعيالك بقيتها . فرجعت إلى قومي ، فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي ، وقد أمر لي بصدقتكم . }

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية