الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 2 ] ( كتاب الغصب ) ( هو ) لغة أخذ الشيء ظلما وقيل بشرط المجاهرة وشرعا ( الاستيلاء ) ويرجع فيه للعرف كما يتضح بالأمثلة الآتية وليس منه منع المالك من سقي ماشيته أو غرسه حتى تلف فلا ضمان ، وإن قصد منعه عنه على المعتمد وفارق هذا هلاك ولد شاة ذبحها بأنه ثم أتلف غذاء الولد المتعين له بإتلاف أمه بخلافه هنا وبهذا الفرق يتأيد ما يأتي عن ابن الصلاح وغيره قبيل والأصح أن السمن ويأتي قبيل قول المتن فإن أراد قوم سقي أرضهم فيمن عطل شرب أرض الغير ما يؤيد ذلك ( على حق الغير ) ، ولو خمرا وكلبا محترمين وسائر الحقوق والاختصاصات كحق متحجر وكإقامة من قعد بسوق أو مسجد [ ص: 3 ] لا يزعج منه والجلوس محله وجعله في دقائقه حبة البر غير مال مراده به غير متمول لما قدمه في الإقرار أنها مال وعبر أصله بالمال ؛ لأنه بمعنى المتمول المترتب عليه الضمان الآتي وعدل عنه إلى أعم منه كما تقرر ليكون التعريف جامعا لأفراد الغصب المحرم الواجب فيه الرد ، وأما الضمان فيصرح بانتفائه عن غير المال بقوله ولا يضمن الخمر فصنيعه أحسن خلافا لمن انتصر لصنيع أصله ( عدوانا ) أي على جهة التعدي والظلم وخرج به نحو عارية ومأخوذ بسوم وأمانة شرعية كثوب طيرته الريح إلى حجره أو داره ولا يرد عليه ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله فإنه يضمنه ضمان الغصب ؛ لأن الثابت في هذه الصورة حكم الغصب لا حقيقته قاله الرافعي نظرا إلى أن المتبادر والغالب من الغصب ما يقتضي الإثم وعبارة الروضة بغير حق . واستحسنت ؛ لأنها تشمل هذه الصورة وتقتضي أن الثابت فيها حقيقة الغصب نظرا إلى أن حقيقته صادقة مع انتفاء التعدي إذ القصد بالحد ضبط سائر صور الغصب التي فيها إثم والتي لا إثم فيها

                                                                                                                              واستحسن الرافعي زيادة " قهرا " لتخرج السرقة وغيره زيادة لا على وجه اختلاس أو انتهاب وردا بأن الثلاثة خارجة بالاستيلاء لإنبائه عن القهر والغلبة ، والتنظير في هذا بادعاء أن السرقة نوع من الغصب أفرد بحكم خاص فيه نظر وصنيعهم بإفرادها بباب مستقل وجعلها من مباحث الجنايات قاض بخلافه وآخذ مال غيره بالحياء له حكم الغاصب وقد قال الغزالي من طلب من غيره مالا في الملأ فدفعه إليه لباعث الحياء فقط لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه والأصل في الباب الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو كبيرة ، قالا عن الهروي : إن بلغ نصابا واعترض بنقل ابن عبد السلام الإجماع على أن غصب الحبة وسرقتها كبيرة لكن توقف فيه الأذرعي ويوافقه إطلاق الماوردي الإجماع على أن فعله مع الاستحلال ممن لا يخفى عليه كفر ومع عدمه فسق وكأن هذا التفصيل إنما هو من جهة حكاية الإجماع عليه وإلا فصريح مذهبنا أن استحلال ما تحريمه ضروري كفر ، وإن لم يفعله وما لا فلا وإن فعله فتفطن له .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 2 ] ( كتاب الغصب ) .

                                                                                                                              ( قوله وليس منه إلخ ) اعتمده م ر [ ص: 3 ] قوله واستحسنت ؛ لأنها تشمل هذه الصورة ) يمكن حمل العدوان على ما يشمل العدوان في الواقع فيشملها أيضا ( قوله بأن الثلاثة خارجة بالاستيلاء ) يتأمل هذا في الاختلاس ( قوله لإنبائه عن القهر والغلبة ) [ ص: 4 ] هل يتحققان في أخذ ما ظنه ماله



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              [ ص: 2 ] ( كتاب الغصب ) ( قوله لغة ) إلى قول المتن فلو ركب دابة في النهاية ( قوله ظلما ) ثم إن كان من حرز مثله خفية سمي سرقة أو مكابرة في صحراء سمي محاربة أو مجاهرة واعتمد الهرب سمي اختلاسا فإن جحد ما اؤتمن عليه سمي خيانة برماوي . ا هـ بجيرمي ( قوله وقيل إلخ ) أي زيادة على ما ذكره قول المتن ( الاستيلاء ) ، ولو حكما بدليل ما يأتي قريبا وكإقامة من قعد إلخ قال شيخنا وهذا المعنى الشرعي أعم من كل من اللغويين ؛ لأن الاستيلاء أعم من الأخذ لشموله المنافع فهذا على غير الغالب من أن المعنى الشرعي أخص من اللغوي . ا هـ بجيرمي ( قوله فيه ) أي الاستيلاء ، وكذا ضمير منه

                                                                                                                              ( قوله منع المالك إلخ ) أي أو غيره منعا خاصا كمنع المالك وأتباعه مثلا أما المنع العام كأن منع جميع الناس من سقيه فيضمن بذلك . ا هـ ع ش ( قوله من سقي ماشيته إلخ ) أي كأن حبسه مثلا فيترتب عليه عدم السقي فلا ينافي قوله بعد ، وإن قصد منعه عنه . ا هـ ع ش ( قوله وفارق هذا ) أي تلف ذلك بما ذكر ( قوله بأنه ) أي المتسبب في التلف ( ثم ) أي في الشاة ( قوله ما يأتي عن ابن الصلاح إلخ ) وهو ضمان شريك غور ماء عين ملك له ولشركائه فيبس ما كان يسقى بها من الشجر ونحوه . ا هـ

                                                                                                                              ووجه التأييد أن لبن الشاة من حيث نسبته إليها متعين لولدها وكذلك العين التي أعدت بخصوصها لسقي زرع فإنها معدة بحسب القصد ممن هيأها لذلك الزرع ، وعليه فيتعين فرض ما ذكره من عدم الضمان هنا في مسألة الزرع فيما إذا لم يكن الماء معدا له كماء الأمطار والسيول ونحوهما . ا هـ ع ش ( قوله قبيل قول المتن إلخ ) أي في باب إحياء الموات سيد عمر ورشيدي ( قوله فيمن عطل إلخ ) أي في شأنه وحقه ( قوله أو كلبا إلخ ) خرج به العقور ، وكذا ما لا نفع فيه ولا ضرر كالفواسق الخمس فلا يد عليها ولا يجب ردها برماوي . ا هـ سم على منهج وهو ظاهر . ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله وسائر الحقوق إلخ ) عطف على قوله خمرا إلخ فكأنه قال شمل أي الحق الخمر والكلب المحترمين وسائر الحقوق إلخ ( قوله وكإقامة من إلخ ) لعله عطف على قوله كحق متحجر يتوهم أنه قال كإبطال حق متحجر عبارة النهاية [ ص: 3 ] وشمل الاختصاصات كحق متحجر ومن قعد بنحو مسجد أو شارع إلخ . وهي ظاهرة ( قوله لا يزعج منه ) وصف لسوق أو مسجد أي بأن كان جلوسه بحق . ا هـ رشيدي ( قوله والجلوس محله ) أسقطه النهاية وشرح المنهج وقال البجيرمي قوله من قعد بمسجد إلخ ، وإن لم يستول على محله شيخنا . ا هـ

                                                                                                                              ( قوله وجعله ) أي المصنف و ( قوله حبة البر غير مال ) مفعولا لجعل و ( قوله مراده إلخ ) الجملة خبر الجعل ( قوله وعبر أصله إلخ ) أي بدل حق الغير ( قوله غير متمول ) بفتح الواو فإن كلام المصباح صريح في أن ما كان صفة للمال اسم مفعول وما كان صفة للمالك اسم فاعل . ا هـ ع ش ( قوله كما تقرر ) أي بقوله ، ولو خمرا إلخ ( قوله عن غير المال ) أي غير المتمول كما مر آنفا ( قوله والظلم ) عطف تفسير ( قوله نحو عارية إلخ ) كمأخوذ بإباحة ( قوله إلى حجره إلخ ) أي بخلاف ما طيرته إلى محل قريب منه وليس له عليه يد كالمسجد . ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ولا يرد عليه ) أي جمع التعريف ( قوله : لأن الثابت إلخ ) علة لعدم الورود ( قوله قال الرافعي إلخ ) عبارة شرح المنهج وقول الرافعي إن الثابت في هذه حكم الغصب لا حقيقته ممنوع وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الإثم مطلقا وليس مرادا ، وإن كان غالبا . ا هـ وعلى هذه يتم التقريب بخلاف ما في الشرح قال النهاية والمغني نقلا عن الشهاب الرملي والذي يتحصل من كلام الأصحاب في تعريف الغصب أنه إثما وضمانا الاستيلاء على مال الغير عدوانا وضمانا الاستيلاء على مال الغير بغير حق وإثما الاستيلاء على حق الغير عدوانا . ا هـ قال الرشيدي زاد الشهاب سم على ما ذكر وحقيقته لا ضمانا ولا إثما بل وجوب رد - فقط - الاستيلاء بلا تعد على محترم غير مال كأخذ سرجي الغير يظنه له . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وعبارة الروضة إلخ ) أي بدل عدوانا ( قوله بغير حق ) خبر وعبارة إلخ ( قوله : لأنها تشمل إلخ ) يمكن حمل العدوان على ما يشمل العدوان في الواقع فيشملها أيضا . ا هـ سم عبارة الرشيدي بل قد يدخل الصورة المذكورة بادعاء أنها من غير الغالب . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إذ القصد إلخ ) علة لعلية قوله ؛ لأنها تشمل إلخ للاستحسان ( قوله وغيره ) أي واستحسن غير الرافعي ( قوله وردا ) أي الرافعي وغيره ( قوله بأن الثلاثة خارجة إلخ ) يتأمل . ا هـ سم ( قوله لإنبائه عن القهر والغلبة ) هل يتحققان في أخذ ما ظنه ماله . ا هـ سم ( قوله في هذا ) أي في إخراج السرقة ونحوها . ا هـ ع ش عبارة الرشيدي أي في الرد المذكور . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وآخذ مال ) إلى قوله قالا في المغني ( قوله له حكم الغاصب ) أي ، وإن لم يحصل طلب من الآخذ فالمدار على مجرد العلم بأن صاحب المال دفعه حياء لا مروءة أو رغبة في خير ومنه ما لو جلس عند قوم يأكلون مثلا وسألوه في أن يأكل معهم وعلم أن ذلك لمجرد حيائهم من جلوسه عندهم . ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله في الملأ ) ليس بقيد ، وكذا الطلب ليس بقيد كما تقدم آنفا ( قوله وهو كبيرة ) إطلاقه شامل للمال ، وإن قل وللاختصاصات وما لو أقام إنسانا من نحو مسجد أو سوق فيكون كبيرة وهو ظاهر جلي بل هو أولى من غصب نحو حبة البر ؛ لأن المنفعة به أكثر والإيذاء الحاصل بذلك أشد . ا هـ ع ش عبارة المغني والغصب كبيرة ، وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله نصابا ) أي نصاب سرقة وهو ربع دينار ( قوله ويوافقه ) أي ما نقله ابن عبد السلام ( قوله ومع عدمه ) أي عدم الاستحلال ( قوله وكأن هذا التفصيل إلخ ) أي ولعل نسبة هذا التفصيل للماوردي إلخ ، وإلا فصريح المذهب يفيد ذلك ولا حاجة لعزوه للماوردي . ا هـ ع ش ( قوله : وإن فعله ) أي وعلم حرمته . ا هـ ع ش وفيه نظر إلا إن أراد بالعلم نحو الظن .




                                                                                                                              الخدمات العلمية