الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      القزويني

                                                                                      الإمام القدوة ، العارف ، شيخ العراق ، أبو الحسن ، علي بن عمر بن محمد ، ابن القزويني البغدادي الحربي الزاهد .

                                                                                      سمع أبا عمر بن حيويه ، وأبا حفص بن الزيات ، وأبا بكر بن شاذان ، والقاضي أبا الحسن الجراحي ، وأبا الفتح القواس وطبقتهم ، وأملى عدة مجالس .

                                                                                      حدث عنه : الخطيب ، وابن خيرون ، وأبو الوليد الباجي ، وأبو علي أحمد بن محمد البرداني ، وأبو سعد أحمد بن محمد بن شاكر الطرسوسي ، وجعفر بن أحمد السراج ، والحسن بن محمد الباقرحي ، وأبو العز محمد بن [ ص: 610 ] المختار ، وأحمد بن محمد بن بغراج ، وهبة الله بن أحمد الرحبي ، وأبو منصور أحمد بن محمد الصيرفي ، وعلي بن عبد الواحد الدينوري ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال الخطيب كتبنا عنه ، وكان أحد الزهاد ، ومن عباد الله الصالحين ، يقرئ القرآن ، ويروي الحديث ، ولا يخرج من بيته إلا للصلاة رحمة الله عليه ، قال لي : ولدت سنة ستين وثلاثمائة ، ومات في شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ، وغلقت جميع بغداد يوم دفنه ، لم أر جمعا على جنازة أعظم منه .

                                                                                      قال أبو نصر هبة الله بن المجلي : حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن طلحة بن المنقي قال : حضرت والدي الوفاة ، فأوصى إلي بما أفعله ، وقال : تمضي إلى القزويني ، وتقول له : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، وقال لي : اقرأ على القزويني مني السلام ، وقل له : بالعلامة أنك كنت بالموقف في هذه السنة ، فلما مات ، جئت إليه ، فقال لي ابتداء : مات أبوك ؟ قلت : نعم . قال : رحمه الله ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدق أبوك . وأقسم علي أن لا أحدث به في حياته .

                                                                                      أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا جعفر بن علي ، أخبرنا السلفي قال : سألت شجاعا الذهلي عن أبي الحسن القزويني ، فقال : كان علم الزهاد والصالحين ، وإمام الأتقياء الورعين ، له كرامات ظاهرة معروفة يتداولها الناس ، لم يزل يقرئ ويحدث إلى أن مات .

                                                                                      وقال أبو صالح المؤذن في " معجمه " : أبو الحسن القزويني الشافعي [ ص: 611 ] المشار إليه في زمانه ببغداد في الزهد والورع وكثرة القراءة ، ومعرفة الفقه والحديث ، تلا على أبي حفص الكتاني ، وقرأ القراءات ، ولم يكن يعطي من يقرأ عليه إسنادا بها .

                                                                                      وقال هبة الله بن المجلي في كتاب " مناقب القزويني " : كان يعني : كلمة إجماع في الخير ، وممن جمعت له القلوب ، فحدثني أحمد بن محمد الأمين قال : كتبت عنه مجالس أملاها في مسجده وكان أي جزء وقع بيده ، خرج منه عن شيخ واحد جميع المجلس ، ويقول : حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفى . وكان أكثر أصوله بخطه . وسمعت عبد الله بن سبعون القيرواني يقول : القزويني ثقة ثبت ، ما رأيت أعقل منه . وقيل : إن أبا الحسن علق تعليقة عن أبي القاسم الداركي ، وله تعليق في النحو عن ابن جني ، سمعت أبا العباس المؤدب وغيره يقولان : إن القزويني سمع الشاة تذكر الله تعالى . وحدثني هبة الله بن أحمد الكاتب أنه زار قبر ابن القزويني ، ففتح ختمة هناك ، وتفاءل للشيخ ، فطلع أول ذلك : وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين .

                                                                                      وروي عن أقضى القضاة الماوردي قال : صليت خلف أبي الحسن القزويني ، فرأيت عليه قميصا نقيا مطرزا ، فقلت في نفسي : أين الطرز من الزهد ؟ فلما سلم ، قال : سبحان الله ! الطرز لا ينقض حكم الزهد .

                                                                                      وذكر محمد بن حسين القزاز قال : كان ببغداد زاهد خشن العيش ، وكان يبلغه أن ابن القزويني يأكل الطيب ، ويلبس الرقيق ، فقال : سبحان [ ص: 612 ] الله ! رجل مجمع على زهده وهذا حاله ! أشتهي أن أراه . فجاء إلى الحربية ، فرآه ، فقال الشيخ : سبحان الله ! رجل يومأ إليه بالزهد ، يعارض الله في أفعاله ، وما هنا محرم ولا منكر . فشهق ذلك الرجل ، وبكى .

                                                                                      وقال أبو نصر بن الصباغ الفقيه : حضرت عند ابن القزويني ، فدخل عليه أبو بكر بن الرحبي ، فقال : أيها الشيخ ، أي شيء أمرتني نفسي أخالفها ؟ قال : إن كنت مريدا ، فنعم ، وإن كنت عارفا ، فلا . فانصرفت ، وأنا مفكر ، وكأنني لم أصوبه ، فرأيت ليلتي كأن من يقول لي وقد هالني أمر : هذا بسبب ابن القزويني . وحدثني أبو القاسم عبد السميع الهاشمي ، عن عبد العزيز الصحراوي الزاهد قال : كنت أقرأ على القزويني ، فجاء رجل مغطى الوجه ، فوثب الشيخ إليه ، وصافحه ، وجلس بين يديه ساعة ، فسألت صاحبي : من هذا ؟ قال : تعرفه ؟ هذا أمير المؤمنين القادر بالله .

                                                                                      وحدثنا أحمد بن محمد الأمين قال : رأيت الملك أبا كاليجار قائما يشير إليه أبو الحسن بالجلوس ، فلا يفعل .

                                                                                      وحدثني علي بن محمد الطراح الوكيل قال : رأيت الملك أبا طاهر بن بويه قائما بين يدي الشيخ أبي الحسن يومئ بالجلوس ، فيأبى .

                                                                                      ثم سرد له ابن المجلي كرامات منها شهوده عرفة وهو ببغداد ، ومنها ذهابه إلى مكة ، فطاف ، ورجع من ليلته .

                                                                                      أخبرنا أبو علي ابن الخلال ، أخبرنا جعفر الهمذاني ، أخبرنا السلفي : [ ص: 613 ] سمعت جعفرا السراج يقول : رأيت على أبي الحسن القزويني ثوبا رقيقا ، فخطر لي : كيف مثله في زهده يلبس هذا ؟ فنظر في الحال إلي ، وقال : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده وحضرت عنده يوما للسماع إلى أن وصلت الشمس إلينا ، وتأذينا بحرها ، فقلت في نفسي : لو تحول الشيخ إلى الظل . فقال في الحال : قل نار جهنم أشد حرا .

                                                                                      ومات مع القزويني في سنة 442 أبو الحسين أحمد بن علي التوزي ، وشيخ العربية أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني صاحب ابن جني ، والواعظ أبو طاهر محمد بن علي بن محمد العلاف وأبو القاسم عبد العزيز بن أحمد بن فاذويه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية