الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          كتاب السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في الدعوة قبل القتال

                                                                                                          1548 حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري أن جيشا من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي حاصروا قصرا من قصور فارس فقالوا يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم قال دعوني أدعهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم فأتاهم سلمان فقال لهم إنما أنا رجل منكم فارسي ترون العرب يطيعونني فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون قال ورطن إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين وإن أبيتم نابذناكم على سواء قالوا ما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم فقالوا يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم قال لا فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا ثم قال انهدوا إليهم قال فنهدنا إليهم ففتحنا ذلك القصر قال وفي الباب عن بريدة والنعمان بن مقرن وابن عمر وابن عباس وحديث سلمان حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب وسمعت محمدا يقول أبو البختري لم يدرك سلمان لأنه لم يدرك عليا وسلمان مات قبل علي وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا ورأوا أن يدعوا قبل القتال وهو قول إسحق بن إبراهيم قال إن تقدم إليهم في الدعوة فحسن يكون ذلك أهيب وقال بعض أهل العلم لا دعوة اليوم وقال أحمد لا أعرف اليوم أحدا يدعى وقال الشافعي لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلا أن يعجلوا عن ذلك فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة [ ص: 128 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 128 ] قوله : ( كتاب السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) السير بكسر المهملة وفتح التحتانية : جمع سيرة ، وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته .

                                                                                                          قوله : ( عن أبي البختري ) بفتح الموحدة والمثناة بينهما خاء معجمة ساكنة اسمه سعيد بن فيروز بن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الإرسال من الثالثة ( ألا ننهد إليهم ) أي لا ننهض إليهم ( قال دعوني ) أي اتركوني ( أدعوهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم ) أي إلى الإسلام ، فإن أبوا فإلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا فإلى القتال ( فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا ) أي من الغنيمة والفيء ( وعليكم مثل الذي علينا ) أي من أحكام المسلمين من الحدود ونحوها ( وأعطونا الجزية عن يد ) حال من الضمير أي عن يد مواتية بمعنى منقادين ، أو عن يدكم بمعنى مسلمين بأيديكم غير باعثين بأيدي غيركم ، أو عن غنى ، [ ص: 129 ] ولذلك لا تؤخذ من الفقير ، أو حال من الجزية بمعنى نقدا مسلمة عن يد إلى يد ، أو عن إنعام عليكم ، فإن إبقاءكم بالجزية نعمة عظيمة ( وأنتم صاغرون ) حال ثان من الضمير أي ذليلون ( ورطن إليهم بالفارسية ) أي تكلم فيها ( وإن أبيتم نابذناكم على سواء ) قال الجزري في النهاية : أي كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستقيم مستو في العلم بالمنابذة منا ومنكم بأن نظهر لهم العزم على قتالهم ونخبرهم به إخبارا مكشوفا . والنبذ يكون بالفعل والقول في الأجسام والمعاني ، ومنه نبذ العهد : إذا أنقضه وألقاه إلى من كان بينه وبينه انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن بريدة إلخ ) أما حديث بريدة فأخرجه مسلم . وأما حديث النعمان فلينظر من أخرجه ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عنه قال : ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط إلا دعاهم . وأخرجه الحاكم أيضا . قال في مجمع الزوائد : أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح .

                                                                                                          قوله : ( وحديث سلمان حديث حسن ) وأخرجه أحمد .

                                                                                                          قوله : ( ورأوا أن يدعوا ) بصيغة المجهول أي العدو ( وهو قول إسحاق بن إبراهيم ) يعني إسحاق بن راهويه ( وأن تقدم ) بصيغة المجهول من التقدم ( وقال بعض أهل العلم لا دعوة اليوم [ ص: 130 ] إلخ ) . قال الحافظ في الفتح : ذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال ، وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الإسلام ، فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى ، نص عليه الشافعي . وقال مالك : من قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الإسلام ، ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك . وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال : كنا ندعو وندع ، قال الحافظ : وهو منزل على الحالين المتقدمين انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية