الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 198 ] [ ص: 199 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة العنكبوت

اشتهرت هذه السورة بسورة العنكبوت من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لما رواه عكرمة قال : كان المشركون إذا سمعوا تسمية سورة العنكبوت يستهزئون بهما ، أي بهذه الإضافة ، فنزل قوله تعالى : إنا كفيناك المستهزئين يعني المستهزئين بهذا ومثله . وقد تقدم الإلماع إلى ذلك عند قوله تعالى : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها في سورة البقرة .

ووجه إطلاق هذا الاسم على هذه السورة أنها اختصت بذكر مثل العنكبوت في قوله تعالى فيها : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا .

وهي مكية كلها في قول الجمهور ، ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة ، وقيل : بعضها مدني . روى الطبري ، والواحدي في " أسباب النزول " عن الشعبي أن الآيتين الأوليين منها أي إلى قوله : وليعلمن الكاذبين - نزلتا بعد الهجرة في أناس من أهل مكة أسلموا فكتب إليهم أصحاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - من المدينة أن لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا إلى المدينة ، فخرجوا مهاجرين ، فاتبعهم المشركون فردوهم .

وروى الطبري عن عكرمة عن ابن عباس أن قوله تعالى : ومن الناس من يقول آمنا بالله إلى قوله : " وليعلمن المنافقين " نزلت في قوم بمكة ، وذكر قريبا مما روي عن الشعبي .

وفي " أسباب النزول " للواحدي عن مقاتل : نزلت الآيتان الأوليان في مهجع مولى عمر بن الخطاب ، خرج في جيش المسلمين إلى بدر فرماه عامر بن الحضرمي من [ ص: 200 ] المشركين بسهم فقتله ، فجزع عليه أبوه وامرأته ، فأنزل الله هاتين الآيتين . وعن علي بن أبي طالب أن السورة كلها نزلت بين مكة والمدينة . وقيل : إن آية ومن الناس من يقول آمنا بالله نزلت في ناس من ضعفة المسلمين بمكة ، كانوا إذا مسهم أذى من الكفار وافقوهم في باطن الأمر وأظهروا للمسلمين أنهم لم يزالوا على إسلامهم كما سيأتي عند تفسيرها .

وقال في " الإتقان " : ويضم إلى ما استثني من المكي فيها قوله تعالى : وكأين من دابة لا تحمل رزقها ؛ لما أخرجه ابن أبي حاتم أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة ، فقالوا : كيف نقدم بلدا ليست لنا فيه معيشة ، فنزلت وكأين من دابة لا تحمل رزقها .

وقيل : هذه السورة آخر ما نزل بمكة ، وهو يناكد بظاهره جعلهم هذه السورة نازلة قبل سورة المطففين ، وسورة المطففين آخر السور المكية . ويمكن الجمع بأن ابتداء نزول سورة العنكبوت قبل ابتداء نزول سورة المطففين ، ثم نزلت سورة المطففين كلها في المدة التي كانت تنزل فيها سورة العنكبوت ، ثم تم بعد ذلك جميع هذه السورة .

وهذه السورة هي السورة الخامسة والثمانون في ترتيب نزول سور القرآن ، نزلت بعد سورة الروم وقبل سورة المطففين ، وسيأتي عند ذكر سورة الروم ما يقتضي أن العنكبوت نزلت في أواخر سنة إحدى عشرة قبل الهجرة ، فتكون من أخريات السور المكية بحيث لم ينزل بعدها بمكة إلا سورة المطففين .

وآياتها تسع وستون باتفاق أصحاب العدد من أهل الأمصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية