الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 277 ] ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسبعمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت يوم الجمعة والحكام ، والخليفة ، والسلطان ، والنواب ، والقضاة ، والمباشرون ، هم المذكورون في التي قبلها ، سوى الحنبلي كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي العشر من المحرم دخل مصر أرغون نائب مصر ، فمسك في حادي عشره ، فحبس أياما ثم أطلق ، وبعثه السلطان إلى حلب نائبا ، فاجتاز بدمشق بكرة الجمعة ثاني عشرين المحرم ، فأنزله نائب السلطنة بداره المجاورة لجامعه ، فبات بها ليلة ، ثم سافر إلى حلب ، وقد كان قبله بيوم قد سافر من دمشق ألجاي الدوادار إلى مصر ، وفي صحبته نائب حلب علاء الدين ألطنبغا معزولا عنها إلى حجوبية الحجاب بمصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول قرئ تقليد قاضي قضاة الحنابلة عز الدين محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ، عوضا عن ابن مسلم ، بمقصورة الخطابة بحضرة القضاة والأعيان ، وحكم ، وقرئ قبل ذلك بالصالحية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أواخر هذا الشهر وصل البريد بتولية ابن النقيب الحاكم بحمص قضاء القضاة بطرابلس ، ونقل الذي بها إلى حمص نائبا عن قاضي دمشق ، وهو ناصر ابن محمود الزرعي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 278 ] وفي سادس عشرين ربيع الآخر عاد تنكز من مصر إلى الشام ، وقد حصل له تكريم من السلطان . وفي ربيع الأول حصلت زلزلة بالشام وقى الله شرها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى باشر نيابة الحنبلي القاضي برهان الدين الزرعي ، وحضر عنده جماعة من القضاة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة جاء البريد بطلب القاضي القزويني الشافعي إلى مصر ، فدخلها في مستهل رجب ، فخلع عليه بقضاء قضاة مصر ، مع تدريس الناصرية ، والصالحية ، ودار الحديث الكاملية ، عوضا عن بدر الدين بن جماعة لأجل كبر سنه ، وضعف نفسه ، وضرر عينيه ، فجبروا خاطره ، فرتب له ألف درهم وعشرة أرادب قمح في الشهر ، مع تدريس زاوية الشافعي ، وأرسل ولده بدر الدين بن القزويني إلى دمشق خطيبا بالأموي ، وعلى تدريس الشامية الجوانية ، على قاعدة والده جلال الدين القزويني في ذلك ، فخلع عليه في أواخر رجب ثامن عشرينه ، وحضر عنده الأعيان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رجب كان عرس الأمير سيف الدين قوصون الساقي الناصري على بنت السلطان ، وقد كان وقتا مشهودا ، خلع على الأمراء والأكابر ، وفي صبيحة هذه الليلة عقد عقد الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير بكتمر الساقي على بنت تنكز نائب الشام ، وكان السلطان وكيل أبيها تنكز ، والعاقد [ ص: 279 ] ابن الحريري ، وخلع عليه ، وأدخلت عليه في ذي الحجة من هذه السنة في كلفة كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رجب جرت فتنة كبيرة بالإسكندرية ، وذلك في سابع رجب ، وذلك أن رجلا من المسلمين قد تخاصم هو ورجل من الفرنج على باب البحر ، فضرب أحدهما الآخر بنعل ، فرفع الأمر إلى الوالي ، فأمر بغلق باب البلد بعد العصر ، فقال له الناس : إن لنا أموالا وعبيدا خارج البلد ، وقد أغلقت الباب قبل وقته ، ففتحه ، فخرج الناس في زحمة عظيمة ، فقتل منهم نحو عشرة ، ونهبت عمائم ، وثياب ، وغير ذلك ، وكان ذلك ليلة الجمعة ، فلما أصبح الناس ذهبوا إلى دار الوالي فأحرقوها ، وثلاث دور لبعض الظلمة ، وجرت أحوال صعبة ، ونهبت أماكن ، وكسرت العامة باب سجن الوالي فخرج منه من فيه ، فبلغ نائب السلطنة ، فاعتقد النائب أنه السجن الذي فيه الأمراء ، فأمر بوضع السيف في البلد وتخريبه ، ثم إن الخبر بلغ السلطان ، فأرسل الوزير طيبغا الجمالي سريعا ، فوصل بعد يومين ، فضرب وصادر ، وضرب القاضي ونائبه ، وعزلهم ، وأهان خلقا من الأكابر ، وصادرهم بأموال كثيرة جدا ، وعزل المتولي ثم أعيد ، ثم تولى القضاء بها علم الدين الأخنائي الشافعي الذي تولى دمشق فيما بعد ، وعزل قاضي الإسكندرية المالكي ونائباه ، ووضعت السلاسل في أعناقهم وأهينوا ، وضرب ابن التنيسي غير مرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 280 ] وفي يوم السبت عشرين شعبان وصل إلى دمشق قاضي قضاة حلب كمال الدين بن الزملكاني على البريد ، فأقام بدمشق أربعة أيام ، ثم سار إلى مصر ليتولى قضاء قضاة الشام بحضرة السلطان ، فاتفق موته قبل وصوله إلى القاهرة : وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب [ سبأ : 54 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة سادس عشرين شعبان باشر صدر الدين المالكي مشيخة الشيوخ مضافا إلى قضاء قضاة المالكية ، وحضر الناس عنده ، وقرئ تقليده بذلك بعد انفصال الزرعي عنها إلى مصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي نصف رمضان وصل قاضي الحنفية بدمشق لقضاء القضاة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد الطرسوسي ، الذي كان نائبا لقاضي القضاة صدر الدين علي البصروي ، فخلفه بعده بالمنصب ، وقرئ تقليده بالجامع ، وخلع عليه ، وباشر الحكم ، واستناب القاضي عماد الدين ابن العز ، ودرس بالنورية مع القضاء ، وشكرت سيرته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رمضان قدم جماعة من الأسارى مع تجار الفرنج ، فأنزلوا بالمدرسة العادلية الكبيرة ، واستفكوا من ديوان الأسرى بنحو من ستين ألفا ، وكثرت الأدعية لمن كان السبب في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ثامن شوال خرج الركب الشامي إلى الحجاز ، وأميره سيف الدين بلبان المحمدي ، وقاضيه بدر الدين محمد بن محمد بن قاضي حران .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 281 ] وفي شوال وصل تقليد قضاء الشافعية بدمشق لبدر الدين ابن قاضي القضاة عز الدين بن الصائغ ، والخلعة معه ، فامتنع من قبول ذلك أشد الامتناع ، وصمم ، وألح عليه الدولة فلم يقبل ، وكثر بكاؤه ، وتغير مزاجه واغتاظ ، فلما أصر على ذلك راجع تنكز السلطان في ذلك ، فلما كان شهر ذي القعدة اشتهر تولية علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي قضاء الشام ، فسار إليها من مصر ، وزار القدس ، ودخل دمشق بكرة يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي القعدة ، فاجتمع بنائب السلطنة بدار السعادة ، ولبس الخلعة من هنالك ، وركب معه الحجاب والدولة إلى العادلية ، فقرئ تقليده بها ، وحكم بها على العادة ، وفرح الناس به وبحسن سمته ، وطيب لفظه ، وملاحة شمائله ، وتودده ، وولي بعده مشيخة الشيوخ بديار مصر الشيخ مجد الدين الأقصرائي الصوفي شيخ سرياقوس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت ثالث عشرين ذي القعدة لبس القاضي محيي الدين بن فضل الله الخلعة بكتابة السر عوضا عن شمس الدين بن الشهاب محمود ، واستمر ولده شرف الدين في كتابة الدست . وفي هذه المدة تولى قضاء حلب [ ص: 282 ] عوضا عن ابن الزملكاني القاضي فخر الدين بن البارزي . وفي العشر الأول من ذي الحجة كمل ترخيم الجامع الأموي - أعني : حائطه الشمالي - وجاء تنكز حتى نظر إليه فأعجبه ذلك ، وشكر ناظره تقي الدين بن مراجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأضحى جاء سيل عظيم إلى مدينة بلبيس ، فهرب أهلها منها ، وتعطلت الصلاة والأضاحي فيها ، ولم ير مثله من سنين متطاولة ، وخرب شيئا كثيرا من حواصلها وبساتينها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية