الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 542 ] ثم دخلت سنة سبع وسبعين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أولها يوم الأربعاء ، وكان الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي ، وسلطان البلاد شاما ومصرا وحلبا الملك السعيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أوائل المحرم اشتهر بدمشق ولاية القاضي ابن خلكان قضاء دمشق عودا على بدء في أواخر ذي الحجة ، بعد عزل سبع سنين ، فامتنع القاضي عز الدين ابن الصائغ من الحكم في سادس المحرم ، وخرج الناس لتلقي ابن خلكان ، فمنهم من وصل إلى الرملة ، وكان دخوله في يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم ، فخرج نائب السلطنة عز الدين أيدمر بجميع الأمراء والمواكب لتلقيه ، وفرح الناس بذلك ومدحه الشعراء ، وأنشد الفقيه شمس الدين محمد بن جعوان :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما تولى قضاء الشام حاكمه قاضي القضاة أبو العباس ذو الكرم     من بعد سبع شداد قال خادمه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذا العام فيه يغاث الناس بالنعم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال سعد الله بن مروان الفارقي :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أذقت الشام سبع سنين جدبا     غداة هجرته هجرا جميلا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 543 ] فلما زرته من أرض مصر     مددت عليه من كفيك نيلا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رأيت أهل الشام طرا     ما فيهم قط غير راض
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نالهم الخير بعد شر     فالوقت بسط بلا انقباض
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعوضوا فرحة بحزن     قد أنصف الدهر في التقاضي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسرهم بعد طول غم     بدور قاض وعزل قاضي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكلهم شاكر وشاك     بحال مستقبل وماضي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال اليونيني : وفي يوم الأربعاء ثالث عشر صفر ذكر الدرس بالظاهرية ، وحضر نائب السلطنة أيدمر الظاهري ، وكان درسا حافلا حضره القضاة ، وكان مدرس الشافعية الشيخ رشيد الدين محمود بن إسماعيل الفارقي ، ومدرس الحنفية الشيخ صدر الدين سليمان الحنفي ، ولم يكن بناء المدرسة كمل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي جمادى الأولى باشر قضاء الحنفية صدر الدين سليمان المذكور عوضا عن مجد الدين بن العديم ، بحكم وفاته ، ثم توفي صدر الدين سليمان المذكور في رمضان ، وتولى بعده القضاء حسام الدين أبو الفضائل الحسن بن أنوشروان الرازي الحنفي ، الذي كان قاضيا بملطية قبل ذلك . وفي العشر الأول من ذي القعدة فتحت المدرسة النجيبية ، وحضر تدريسها ابن خلكان بنفسه ، ثم نزل عنها لولده كمال الدين موسى ، وفتحت الخانقاه النجيبية ، وقد كانتا [ ص: 544 ] وأوقافهما تحت الحوطة إلى الآن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الثلاثاء خامس ذي الحجة دخل السلطان السعيد إلى دمشق وقد زينت له ، وعملت له قباب ظاهرة ، وخرج أهل البلد لتلقيه وفرحوا به فرحا عظيما لمحبتهم والده ، وصلى عيد النحر بالميدان ، وعمل العيد بالقلعة المنصورة ، واستوزر بدمشق الصاحب فتح الدين عبد الله بن القيسراني ، وبالديار المصرية بعد موت بهاء الدين بن الحنا الصاحب برهان الدين بن الخضر بن الحسن السنجاري ، وفي العشر الآخر من ذي الحجة جهز السلطان العساكر إلى بلاد سيس صحبة الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي ، وأقام السلطان بدمشق في طائفة يسيرة من الأمراء والخاصكية والخواص ، وجعل يكثر التردد إلى الزنبقية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجة جلس السلطان بدار العدل داخل باب النصر ، وأسقط ما كان حدده والده على بساتين أهل دمشق فتضاعفت له منهم الأدعية ، وأحبوه لذلك حبا شديدا ، فإنه كان قد أجحف بكثير من أصحاب الأملاك ، وود كثير منهم لو تخلص من ملكه جملة بسبب ما عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها طلب من أهل دمشق خمسون ألف دينار ، ضربت أجرة على أملاكهم مدة شهرين ، وجبيت منهم على القهر والعسف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية