الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 519 ] ثم دخلت سنة أربع وسبعين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما كان يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة نزل التتار على البيرة في ثلاثين ألف مقاتل; خمسة عشر ألفا من المغول ، وخمسة عشر ألفا من الروم ، والمقدم على الجميع البرواناه ، بأمر أبغا ملك التتر ، ومعهم جيش الموصل وجيش ماردين والأكراد ، ونصبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقا ، فخرج أهل البيرة في الليل ، فكبسوا عسكر التتار وأحرقوا المنجنيقات ونهبوا شيئا كثيرا ، ورجعوا إلى بيوتهم سالمين ، فأقام عليها الجيش مدة إلى تاسع عشر الشهر المذكور ، ثم رجعوا عنها بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما بلغ السلطان نزول التتر على البيرة أنفق في الجيش ستمائة ألف دينار ، ثم ركب سريعا وفي صحبته ولده السعيد ، فلما كان في أثناء الطريق بلغه رحيل التتر عنها ، فعاد إلى دمشق ، ثم ركب في رجب إلى القاهرة ، فدخلها في ثامن عشر ، فوجد بها خمسة وعشرين رسولا من جهة ملوك الأرض ينتظرونه ، فتلقوه وحدثوه وقبلوا الأرض بين يديه ، ودخل القلعة في أبهة عظيمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما عاد البرواناه إلى بلاد الروم حلف الأمراء الكبار; منهم : شرف الدين [ ص: 520 ] مسعود وضياء الدين محمود ابنا الخطير ، وأمين الدين ميكائيل ، وحسام الدين بيجار ، وولده بهاء الدين ، على أن يكونوا من جهة السلطان الملك الظاهر ، وينابذوا أبغا ، فحلفوا له على ذلك ، وكتب إلى الظاهر بذلك ، وأن يرسل إليه جيشا ، ويحمل له ما كان يحمله إلى التتار ، ويكون غياث الدين كيخسرو على ما هو عليه ، يجلس على تخت مملكة الروم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة استسقى أهل بغداد ثلاثة أيام ولاء فلم يسقوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها في رمضان منها وجد رجل وامرأة في نهار رمضان على فاحشة الزنا ، فأمر علاء الدين صاحب الديوان برجمهما فرجما ، ولم يرجم ببغداد قبلهما قط أحد منذ بنيت ، وهذا غريب جدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها استسقى أهل دمشق أيضا مرتين; في أواخر رجب وأوائل شعبان - وكان ذلك في أواخر كانون الثاني - فلم يسقوا أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أرسل السلطان جيشا إلى دنقلة ، فكسر جيش السودان ، وقتلوا منهم خلقا ، وأسروا شيئا كثيرا من السودان ، بحيث أبيع الرقيق الرأس بثلاثة دراهم ، وهرب ملكهم داود إلى صاحب النوبة فأرسله إلى الملك الظاهر محتاطا عليه ، وقرر الملك الظاهر على أهل دنقلة جزية تحمل إليه في كل سنة . كل ذلك كان في شعبان من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عقد عقد الملك السعيد بن الظاهر ، على بنت الأمير سيف الدين [ ص: 521 ] قلاوون الألفي ، في الإيوان بحضرة السلطان والدولة على صداق خمسة آلاف دينار ، يعجل منها ألفا دينار ، وكان الذي كتبه وقرأه محيي الدين بن عبد الظاهر ، فأعطي مائة دينار وخلع عليه . ثم ركب السلطان مسرعا ، فوصل إلى حصن الكرك ، فجمع القيمرية الذين به فإذا هم ستمائة نفر ، فأمر بشنقهم ، فشفع فيهم عنده ، فأطلقهم وأجلاهم منه إلى مصر ، وكان قد بلغه عنهم أنهم يريدون قتل من فيه ، ويقيموا ملكا عليهم ، وسلم الحصن إلى الطواشي شمس الدين رضوان السهيلي ، ثم عاد في بقية الشهر إلى دمشق ، فدخلها يوم الجمعة ثامن عشر الشهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت زلزلة بأخلاط ، واتصلت ببلاد بكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية