الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 45 ] ثم دخلت سنة ثنتي عشرة وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها شرع في بناء المدرسة العادلية الكبيرة بدمشق ، وفيها عزل القاضي الزكي بن محيي الدين بن الزكي ، وفوض الحكم إلى القاضي جمال الدين بن الحرستاني ، وهو ابن ثنتين وتسعين سنة ، فحكم بالعدل ، وقضى بالحق ، ويقال : إنه كان يحكم بالمدرسة المجاهدية عند القواسين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أبطل العادل ضمان الخمر والقيان ، جزاه الله خيرا ، فزال عن الناس شر كثير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حاصر الأمير قتادة صاحب مكة المدينة النبوية ومن بها ، وقطع نخلا كثيرا ، فقاتله أهلها ، فكر خاسئا حسيرا ، وكان صاحب المدينة بالشام في خدمة العادل ، فطلب منه النجدة على أمير مكة قتادة ، فأرسل معه جيشا ، فأسرع في الأوبة ، فمات في أثناء الطريق ، فاجتمع شمل الجيش على ابن أخيه جماز ، فقصد مكة ، فالتقاه أميرها بالصفراء ، فاقتتلوا قتالا عظيما ، فهزم المكيون ، وغنم منهم جماز شيئا كثيرا ، وهرب قتادة إلى الينبع ، فساروا إليه ، فحصروه بها ، وضيقوا عليه فيها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أغارت الفرنج على بلاد الإسماعيلية ، فقتلوا ونهبوا وسبوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 46 ] وفيها أخذ ملك الروم كيكاوس مدينة أنطاكية من أيدي الفرنج ، ثم أخذها منه ابن لاون ملك الأرمن ، ثم أخذها منه إبرنس طرابلس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ملك السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش مدينة غزنة بغير قتال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت وفاة الملك المعظم أبي الحسن علي بن الخليفة الناصر لدين الله ، ولما توفي حزن الخليفة عليه حزنا عظيما ، وكذلك الخاصة والعامة لكثرة صدقاته وإحسانه إليهم ، ولم يبق بيت ببغداد إلا حزنوا عليه ، وكان يوم جنازته يوما مشهودا ، وناح أهل البلد عليه ليلا ونهارا ، ودفن عند جدته بالقرب من قبر معروف الكرخي ، وكانت وفاته يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة ، وصلي عليه بعد الصلاة . وفي هذا اليوم قدم برأس منكلي الذي كان قد عصى على الخليفة وعلى أستاذه - إلى بغداد فطيف بها ، ولم تتم فرحته ذلك اليوم لتنغيصها بموت ولده ولي العهد ، والدنيا لا تسر بقدر ما تضر ، وترك ولدين وهما; المؤيد أبو عبد الله الحسن ، والموفق أبو الفضل يحيى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية