الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 556 ] ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في خامس المحرم كان بروز السلطان من الديار المصرية قاصدا بلاد الشام ; لمناجزة الأعداء والإحسان إلى الأولياء ، وكان ذلك آخر عهده بمصر لم يعد إليها بعد ذلك ، وقد أغار في طريقه على أطراف بلاد الفرنج بأرض الكرك وجعل أخاه تاج الملوك بوري بن أيوب على الميمنة يسير ناحية عنه ; ليتمكنوا من بلاد العدو فالتقوا على الأزرق بعد سبعة أيام ، وقد أغار نائب دمشق عز الدين فروخشاه على بلاد طبرية وما حولها ، وافتتح حصونا جيدة ، وأسر منهم ألفا ، وغنم عشرين ألف رأس من الأنعام ، بيض الله وجهه . وكان دخول السلطان إلى دمشق سابع عشر من صفر ثم خرج في العشر الأول من ربيع الأول ، فاقتتل مع الفرنج في نواحي طبرية وبيسان تحت حصن كوكب ، فقتل خلق من الفريقين ، ولكن كانت الدائرة للمسلمين ، ورجع مؤيدا منصورا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ركب السلطان في جحافله وعساكره قاصدا حلب وبلاد الشرق ليأخذها ; وذلك أن المواصلة والحلبيين قد كاتبوا الفرنج حتى يغزوا على أطراف البلاد ; ليشغلوا الناصر بنفسه عنهم ، فكان مسيره على بلاد البقاع ثم إلى حماة ثم إلى حلب فحاصرها ثلاثا ، ورأى العدول عنها إلى غيرها أولى به ، [ ص: 557 ] فسار حتى قطع الفرات ، واستحوذ على بلاد الجزيرة والخابور وحران والرها والرقة ونصيبين ، وغير ذلك ، وخضعت له الملوك هنالك ، ثم عاد إلى حلب فتسلمها من صاحبها عماد الدين زنكي وقد كان قايض أخاه عز الدين مسعودا بها إلى سنجار ، كما ذكرنا ذلك في السنة الماضية ، فاستوسقت له الممالك شرقا وغربا ، وبعدا وقربا ، وتمكن حينئذ من قتال أعدائه من الفرنج - لعنهم الله - وأمكنه الله من نواصيهم ، فله الحمد على ما أولاه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية