الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 669 ] ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها بدو ملك السلاجقة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها استولى ركن الدولة أبو طالب طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق على نيسابور وجلس على سرير ملكها ، وبعث أخاه داود إلى سائر بلاد خراسان ، فملكها وانتزعها من نواب الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل جيش المصريين لصاحب حلب وهو شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس ، واستولوا على حلب وأعمالها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سأل جلال الدولة الخليفة أن يلقب بملك الدولة ، فأجابه إلى ذلك بعد تمنع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها استدعى الخليفة القائم بأمر الله القضاة والفقهاء ، وأحضر جاثليق النصارى ورأس جالوت اليهود ، وألزموا بالغيار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رمضان لقب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك بأمر الخليفة ، وخطب بذلك على المنابر ، فنفرت العامة من ذلك ، ورموا الخطباء بالآجر ، ووقعت فتنة بسبب ذلك ، واستفتي الفقهاء في ذلك ، فأفتى أبو عبد الله [ ص: 670 ] الصيمري أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية ، وقد قال الله تعالى إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا [ البقرة : 247 ] وقال : وكان وراءهم ملك [ الكهف : 79 ] وإذا كان في الأرض ملوك جاز أن يكون بعضهم فوق بعض ; لتفاضلهم في القوة والإمكان ، وجاز أن يكون بعضهم أعظم من بعض ، وليس في ذلك ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين . وكتب القاضيأبو الطيب الطبري : إن إطلاق ملك الملوك جائز ، ويكون معناه ملك ملوك الأرض ، وإذا جاز أن يقال : كافي الكفاة وقاضي القضاة ، جاز ملك الملوك . وإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة ، ومنه قولهم : اللهم أصلح الملك ، فيصرف الكلام إلى المخلوقين ، وكتب التميمي الحنبلي نحو ذلك ، وأما القاضي الماوردي صاحب " الحاوي الكبير " فنقل عنه أنه أجاز ذلك أيضا ، والمشهور عنه ما نقله ابن الجوزي والشيخ أبو عمرو بن الصلاح في " أدب المفتي " أنه منع من ذلك ، وأصر على المنع ، مع صحبته للملك جلال الدولة ، وكثرة ترداده إليه ، ووجاهته عنده ، وأنه امتنع من الحضور في مجلسه حتى استدعاه جلال الدولة في يوم عيد ، فلما دخل عليه ، دخل وهو وجل خائف أن يوقع به مكروها ، فلما واجهه قال له : قد علمت أنه إنما منعك من موافقة الذين جوزوا ذلك ، مع صحبتك إياي ووجاهتك عندي ، دينك واتباعك الحق ، ولو حابيت أحدا من الناس لحابيتني ، وقد زادك ذلك [ ص: 671 ] عندي محبة ومكانة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : والذي صار إليه القاضي الماوردي من المنع من ذلك هو السنة التي وردت بها الأحاديث الصحيحة من غير وجه ; قال الإمام أحمد بن حنبل في " مسنده " : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك . قال أحمد : سألت أبا عمرو الشيباني عن " أخنع اسم " قال : أوضع . وقد رواه البخاري عن علي بن المديني ، عن سفيان بن عيينة ، وأخرجه مسلم من طريق همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل تسمى بملك الأملاك ، لا ملك إلا الله عز وجل . وقال الإمام أحمد : حدثني محمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، عن خلاس ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتد غضب الله على من قتله نبيه ، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك ، لا ملك إلا الله عز وجل . والله تعالى أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية