الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 21 ] ثم دخلت سنة أربع عشرة وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كتب ملك الروم ، وهو الدمستق - لعنه الله - إلى أهل السواحل أن يحملوا إليه الخراج وإلا قاتلهم ، فأبوا عليه ، فركب إليهم في أول هذه السنة ، فعاث في الأرض فسادا ، ودخل ملطية فقتل من أهلها كثيرا وأسر ، وأقام بها ستة عشر يوما ، وجاء أهلها إلى بغداد يستنجدون الخليفة عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ووقع ببغداد حريق في مكانين ، مات بسببه خلق كثير ، واحترق بأحدهما ألف دار ودكان ، وجاءت الكتب بموت الدمستق ملك النصارى - لعنه الله - فقرئت الكتب على المنابر بذلك ، وجاءت الكتب من مكة أن أهلها في غاية الانزعاج بسبب اقتراب القرمطي إليهم وقصده إياهم ، فرحلوا منها إلى الطائف وتلك النواحي ، وهبت ريح عظيمة بنصيبين اقتلعت الأشجار وهدمت البيوت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : وفي يوم الأحد لثمان مضين من شوال منها - وهو سابع كانون الأول - سقط ببغداد ثلج عظيم جدا وحصل بسببه برد شديد ، بحيث أتلف كثيرا من النخيل والأشجار ، وجمدت الأدهان حتى الأشربة ، وماء الورد ، والخل ، والخلجان الكبار ، ودجلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعقد بعض مشايخ الحديث [ ص: 22 ] مجلس التحديث على متن دجلة من فوق الجمد ، وكتب عنه الحديث هنالك ، ثم انكسر البرد بمطر وقع ، فأزال ذلك كله ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقدم الحجاج من خراسان إلى بغداد فاعتذر إليهم مؤنس الخادم بأن القرامطة قد قصدوا مكة فرجعوا ، ولم يتهيأ الحج في هذه السنة من ناحية العراق بالكلية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي القعدة عزل الخليفة وزيره أبا العباس الخصيبي بعد سنة وشهرين ، وأمر بالقبض عليه وحبسه ، وذلك لإهماله أمر الوزارة والنظر في المصالح ; لاشتغاله بالخمر في كل ليلة فيصبح مخمورا لا عقل له ، وقد وكل الأمور إلى نوابه ، فخانوا وعملوا مصالحهم ، وولى مكانه أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني نيابة عن علي بن عيسى حتى يقدم ، ثم أرسل في طلب علي بن عيسى ، وهو في دمشق فقدم بغداد في أبهة عظيمة ، فنظر في المصالح العامة والخاصة ، ورد الأمور إلى السداد والاستقامة ، وتمهدت القواعد ، واستدعى بالخصيبي ، فتهدده ولامه وناقشه على ما كان يعتمده ويفعله في خاصة نفسه ، وفي الأمور العامة ، وذلك بحضرة القضاة والأعيان ، ثم رده إلى السجن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أخذ نصر بن أحمد الساماني الملقب بالسعيد بلاد الري وسكنها إلى سنة ست عشرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غزت الصائفة من بلاد طرسوس بلاد الروم ، فغنموا وسلموا . ولم [ ص: 23 ] يحج ركب العراق ; خوفا من القرامطة ، لعنهم الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية