الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 741 ] ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها كانت المفاداة بين المسلمين والروم وكان من جملة من استنقذ من أيدي الروم من نساء ورجال نحو من ثلاثة آلاف نسمة ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي المنتصف من صفر منها كانت وفاة إسماعيل بن أحمد الساماني أمير خراسان وقد كان عاقلا عادلا حسن السيرة في رعيته حليما كريما جوادا ممدحا ، وهو الذي كان يحسن إلى محمد بن نصر المروزي ويعظمه ويكرمه ويحترمه ويقوم له في مجلس ملكه ، وقد ولي بعده ولده أحمد بن إسماعيل بن أحمد الساماني وبعث إليه الخليفة المكتفي بالله بالولاية والتشريف . وقد تذاكر الناس عند إسماعيل بن أحمد ذات ليلة الفخر بالأنساب ، فقال : ينبغي أن يكون الإنسان عصاميا لا عظاميا ، أي ينبغي أن يفتخر بنفسه لا بنسبه وبلده وجده كما قال بعضهم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبجدي سموت لا بجدودي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حسبي فخارا وشيمتي أدبي     ولست من هاشم ولا العرب [ ص: 742 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن الفتى من يقول هأنذا     ليس الفتى من يقول كان أبي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي القعدة منها كانت :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفاة الخليفة المكتفي بالله أبي محمد علي بن المعتضد . وهذه ترجمته ، وذكر وفاته :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو محمد علي ابن أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي العباس أحمد ابن الأمير أبي أحمد الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد هارون بن المهدي بن المنصور - رحمهم الله - وقد ذكرنا أنه ليس من الخلفاء العباسيين من اسمه علي سواه بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم يكن من الخلفاء من يكنى بأبي محمد سوى الحسن بن علي ، وموسى الهادي ، والمستضيء بأمر الله ، وكان مولده في رجب من سنة أربع وستين ومائتين وبويع له بالخلافة بعد أبيه - في حياته - في يوم الجمعة لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ، وعمره نحو من خمس وعشرين سنة وكان ربعة من الرجال جميلا رقيق اللون حسن الشعر وافر اللحية عريضها ولما مات أبوه المعتضد وباشر هو منصب الخلافة دخل عليه بعض الشعراء فأنشده :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أجل الرزايا أن يموت إمام     وأسنى العطايا أن يقوم إم‍ام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأسقى الذي مات الغمام وجاده     ودامت تحيات له وسلام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبقى الذي قام الإله وزاده     مواهب لا يفنى لهن دوام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتمت له الآمال واتصلت بها     فوائد موصول بهن تمام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هو المكتفي بالله يكفيه كلما     عناه بركن منه ليس يرام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 743 ] فأمر له بجائزة سنية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان يقول الشعر ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من لي بأن يعلم ما ألقى     فيعرف الصبوة والعشقا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما زال لي عبدا وحبي له     صيرني عبدا له رقا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العتق من شأني ولكنني     من حبه لا أملك العتقا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان نقش خاتمه : علي متوكل على ربه وكان له من الولد محمد وجعفر وعبد الصمد وموسى وعبد الله وهارون والفضل وعيسى والعباس وعبد الملك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أيامه فتحت أنطاكية واستنقذت من أيدي الروم وكان فيها من أسارى المسلمين بشر كثير وجم غفير ، وأخذ المسلمون من غنائمهم شيئا كثيرا جدا كما تقدم ، ولما حضرته الوفاة سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر بن المعتضد فصح عنده أنه بالغ فأحضره في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة ، وأحضر القضاة وأشهدهم على نفسه بأنه قد جعل الخلافة إليه من بعده ، ولقبه بالمقتدر بالله . وتوفي المكتفي بالله بعد ثلاثة أيام ، رحمه الله . وقيل : في آخر يوم السبت بين الظهر والعصر . وقيل : بعد المغرب ليلة الأحد لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة ودفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر عن ثنتين ، وقيل : عن ثلاث وثلاثين سنة . وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما . وكان قد أوصى بصدقة من خالص ماله ستمائة [ ص: 744 ] ألف دينار كان قد جمعها وهو صغير ، وكان مرضه بداء الخنازير رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية