الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أبو عمرو الداني في كتاب البيان له بإسناده عن عثمان وابن مسعود وأبي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل ، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا . وذكر عبد الرزاق عن معمر عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها . وفي موطأ مالك : أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها . وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ في كتابه المسمى " أسماء من روى عن مالك " : عن مرداس بن محمد أبي بلال الأشعري قال : حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال : تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلما ختمها نحر جزورا . وذكر أبو بكر الأنباري : حدثني محمد بن شهريار حدثنا حسين بن الأسود حدثنا عبيد الله بن موسى عن [ ص: 51 ] زياد بن أبي مسلم أبي عمرو عن زياد بن مخراق قال : قال عبد الله بن مسعود : إنا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن ، وسهل علينا العمل به ، وإن من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ، ويصعب عليهم العمل به .

حدثنا : إبراهيم بن موسى حدثنا يوسف بن موسى حدثنا الفضل بن دكين حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر عن أبيه عن مجاهد عن ابن عمر قال : كان الفاضل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها ، ورزقوا العمل بالقرآن ; وإن آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به . حدثني حسن بن عبد الوهاب أبو محمد بن أبي العنبر حدثنا أبو بكر بن حماد المقريء قال : سمعت خلف بن هشام البزار يقول : ما أظن القرآن إلا عارية في أيدينا ، وذلك إنا روينا أن عمر بن الخطاب حفظ البقرة في بعض عشرة سنة ، فلما حفظها نحر جزورا شكرا لله ، وإن الغلام في دهرنا هذا يجلس بين يدي فيقرأ ثلث القرآن لا يسقط منه حرفا ، فما أحسب القرآن إلا عارية في أيدينا . وقال أهل العلم بالحديث : لا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر على سماع الحديث وكتبه ، دون معرفته وفهمه ، فيكون قد أتعب نفسه من غير أن يظفر بطائل ، وليكن تحفظه للحديث على التدريج قليلا قليلا مع الليالي والأيام . وممن ورد عنه ذلك من حفاظ الحديث شعبة وابن علية ومعمر قال معمر : سمعت الزهري يقول : من طلب العلم جملة فاته جملة ، وإنما يدرك العلم حديثا وحديثين ، والله أعلم . وقال معاذ بن جبل : اعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن يأجركم الله بعلمه حتى تعملوا . وقال ابن عبد البر : وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل قول معاذ من رواية عباد بن عبد الصمد ، وفيه زيادة : أن العلماء همتهم الدراية ، وأن السفهاء همتهم الرواية . وروي موقوفا وهو أولى من رواية من رواه مرفوعا ; وعباد بن عبد الصمد ليس ممن يحتج به . ولقد أحسن القائل في نظمه في فضل العلم وشرف الكتاب العزيز والسنة الغراء :


إن العلوم وإن جلت محاسنها فنتاجها ما به الإيمان قد وجبا     هو الكتاب العزيز الله يحفظه
وبعد ذلك علم فرج الكربا     فذاك فاعلم حديث المصطفى فيه
نور النبوة سن الشرع والأدبا     وبعد هذا علوم لا انتهاء لها
فاختر لنفسك يا من آثر الطلبا     والعلم كنز تجده في معادنه
يا أيها الطالب ابحث وانظر الكتبا     واتل بفهم كتاب الله فيه أتت
كل العلوم تدبره تر العجبا     واقرأ هديت حديث المصطفى وسلن
مولاك ما تشتهي يقضي لك الأربا     من ذاق طعما لعلم الدين سر به
إذا تزيد منه قال واطربا

[ ص: 52 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية