الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        والثالث من أسباب الخلاف التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق

                        وهو اتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ ، وأشباه ذلك ، وهو التقليد المذموم ، فإن الله ذم بذلك في كتابه بقوله : إنا وجدنا آباءنا على أمة الآية . ثم قال : قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون [ ص: 689 ] وقوله : هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون فنبههم على وجه الدليل الواضح فاستمسكوا بمجرد تقليد الآباء ، فقالوا : بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون وهو مقتضى الحديث المتقدم أيضا في قوله :

                        اتخذ الناس رؤساء جهالا إلى آخره ، فإنه يشير إلى الاستنان بالرجال كيف كان .

                        وفيما يروى عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : إياكم والاستنان بالرجال ، فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار ، فينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة ، فإن كنتم لا بد فاعلين ، فبالأموات لا بالأحياء . فهو إشارة إلى الأخذ بالاحتياط في الدين ، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة ، حتى يثبت فيه ويسأل عن حكمه ، إذ لعل المعتمد على عمله يعمل على خلاف السنة . ولذلك قيل : لا تنظر إلى عمل العالم . ولكن سله يصدقك . وقالوا : ضعف الروية أن يكون رأى فلانا يعمل مثله . ولعله فعله ساهيا . وليس من هذا القبيل عمل أهل المدينة . وما أشبه ذلك . لأنه دليل ثابت عند جماعة من العلماء على وجه ليس مما نحن فيه .

                        [ ص: 690 ] وقول علي ـ رضي الله عنه ـ : فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات نكتة في الموضع .

                        يعني الصحابة ، ومن جرى مجراهم ممن يؤخذ بقوله ويعتمد على فتواه . وأما غيرهم ممن لم يحل ذلك المحل فلا . كأن يرى الإنسان رجلا يحسن اعتقاده فيه يفعل فعلا محتملا أن يكون مشروعا أو غير مشروع فيقتدي به على الإطلاق ويعتمد عليه في التعبد . ويجعله حجة في دين الله ، فهذا هو الضلال بعينه . وما لم يتثبت بالسؤال والبحث عن حكم الفعل ممن هو أهل الفتوى .

                        وهذا الوجه هو الذي مال بأكثر المتأخرين من عوام المبتدعة ، إذا اتفق أن ينضاف إلى شيخ جاهل أو لم يبلغ مبلغ العلماء ، فيراه يعمل عملا فيظنه عبادة فيقتدي به . كائنا ما كان ذلك العمل . موافقا للشرع أو مخالفا . ويحتج به على من يرشده ويقول : كان الشيخ فلان من الأولياء وكان يفعله وهو أولى أن يقتدى به من علماء أهل الظاهر . فهو في الحقيقة راجع إلى تقليد من حسن ظنه فيه أخطأ أو أصاب . كالذين قلدوا آباءهم سواء . وإنما قصارى هؤلاء أن يقولوا : إن آباءنا أو شيوخنا لم يكونوا ينتحلون مثل هذه الأمور سدى .

                        وما هي إلا مقصودة بالدلائل والبراهين مع أنهم يرون ويرون أن لا دليل عليها . ولا برهان يقود إلى القول بها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية