الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة أي : ثم بلوناهم بضد ذلك ، فجعلنا الحالة الحسنة في مكان الحالة السيئة كاليسر بعد العسر ، والغنى في مكان الفقر ، والنصر عقب الكسر ، حتى عفوا أي : كثروا ونموا ، كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : وهو من : عفا النبات والشحم والشعر ونحوه إذ كثر ، وله شواهد عن العرب ، وذلك أن اليسر والرخاء سبب لكثرة النسل وبه تتم نعم الدنيا على الموسرين ، [ ص: 16 ] ومن الشواهد على هذا الابتلاء في القصص التي قفى عليها بهذه العبر قول هود عليه السلام لقومه : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون وقول صالح عليه السلام لقومه : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين .

                          وقول شعيب عليه السلام لقومه : واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ولكن لم تزد الآلاء هؤلاء الكافرين إلا بغيا وبطرا وفسادا في الأرض : وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء أي : وقالوا مع ذلك قولا يدل على فساد فطرتهم ، وانطماس بصيرتهم وفقدهم الاستعداد للاتعاظ والاعتبار بأحداث الزمان ، وتغير أحوال الإنسان ، وتقلب شئون العمران ، قالوا : قد مس آباءنا من قبلنا ما يسوء وما يسر وتناوبهم ما ينفع وما يضر ، ونحن مثلهم يصيبنا ما أصابهم فتلك عادة الزمان في أبنائه ، فلا الضراء عقاب من الخالق الحكيم على معاص تقترف ورذائل ترتكب ، ولا السراء جزاء منه على صالحات تعمل وفضائل تلتزم ، والمراد : أنهم جهلوا سننه تعالى في أسباب الصلاح والفساد في البشر ، وما يترتب عليهما من السعادة والشقاء ، المعبر عنها بقوله تعالى : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( 13 : 11 ) فلما ذكرتهم رسلهم بها لم يتذكروا ولم يعتبروا ، بل نسوا وأعرضوا وأنكروا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية