الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) الآية ، لا يخفى أن الواو في قوله :

                                                                                                                                                                                                                                      ( وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ) محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها ، وأن تكون استئنافية ، ولم يبين ذلك هنا ، ولكن بين في موضع آخر أن قوله ( وعلى سمعهم ) معطوف على قوله ( على قلوبهم ) ، وأن قوله ( وعلى أبصارهم ) استئناف ، والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو ( غشاوة ) وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادها على الجار والمجرور قبلها ، ولذلك يجب تقديم هذا الخبر ; لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ كما عقده في [ الخلاصة ] بقوله : [ الرجز ]

                                                                                                                                                                                                                                      ونحو عندي درهم ولي وطر ملتزم فيه تقدم الخبر

                                                                                                                                                                                                                                      فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع ، وأن الغشاوة على الأبصار ، وذلك في قوله تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) [ 45 \ 23 ] ، والختم : الاستيثاق من الشيء حتى لا يخرج منه داخل فيه ولا يدخل فيه خارج عنه ، والغشاوة : الغطاء على العين يمنعها من الرؤية ، ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص : [ الطويل ]

                                                                                                                                                                                                                                      هويتك إذ عيني عليها غشاوة     فلما انجلت قطعت نفسي ألومها



                                                                                                                                                                                                                                      وعلى قراءة من نصب " غشاوة " فهي منصوبة بفعل محذوف أي ( وجعل على بصره غشاوة ) [ 45 \ 23 ] ، كما في سورة " الجاثية " وهو كقوله : [ الرجز ]

                                                                                                                                                                                                                                      علفتها تبنا وماء باردا     حتى شتت همالة عيناها


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 13 ] وقول الآخر : [ مرفل الكامل ]

                                                                                                                                                                                                                                      ورأيت زوجك في الوغى     متقلدا سيفا ورمحا



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر : [ الوافر ]

                                                                                                                                                                                                                                      إذا ما الغانيات برزن يوما     وزججن الحواجب والعيونا



                                                                                                                                                                                                                                      كما هو معروف في النحو ، وأجاز بعضهم كونه معطوفا على محل المجرور ، فإن قيل : قد يكون الطبع على الأبصار أيضا ، كما في قوله تعالى في سورة النحل : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ) [ الآية 108 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل : هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية