الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة فإنا قد قرأناها قال مالك قال يحيى بن سعيد قال سعيد بن المسيب فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله قال يحيى سمعت مالكا يقول قوله الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة فارجموهما ألبتة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1560 1500 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول لما صدر عمر بن الخطاب رحمه الله ) رواية سعيد عن عمر تجري مجرى المتصل ; لأنه رآه وقد صحح بعض العلماء سماعه منه قاله أبو عمر ( من منى ) في آخر حجاته سنة ثلاث وعشرين ( أناخ ) راحلته ( بالأبطح ) أي المحصب ( ثم كوم ) بشد الواو أي جمع ( كومة ) بفتح الكاف وضمها أي قطعة ( بطحاء ) أي صغار الحصى أي جمعها وجعل لها رأسا ( ثم طرح ) ألقى ( عليها رداءه واستلقى ) على ظهره ( ثم مد ) رفع ( يديه إلى السماء ) لأنها قبلة الدعاء ( فقال : اللهم كبرت ) بكسر الموحدة ( سني ) أي عمري فهي مؤنثة ( وضعفت قوتي ) بسبب كبر سني ( وانتشرت ) كثرت وتفرقت ( رعيتي ) التي أقوم بتدبيرها وسياستها ( فاقبضني ) توفني ( إليك ) حال كوني ( غير مضيع ) لما أمرتني به ( ولا مفرط ) متهاون به .

                                                                                                          ( ثم قدم المدينة فخطب الناس ) وللبخاري عن ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلنا بالرواح إلى أن قال : فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به [ ص: 232 ] راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي .

                                                                                                          ( فقال أيها الناس قد سنت ) بضم السين وفتح النون الثقيلة ، وسكون الفوقية ( لكم السنن ) جمع سنة ( وفرضت لكم الفرائض ) بالبناء للمفعول فيهما للعلم بالفاعل ( وتركتم ) بالبناء للمفعول أيضا ( على ) الطريق ( الواضحة ) الظاهرة التي لا تخفى ( إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا ) عن تلك الطريق الواضحة لهوى أنفسكم ( وضرب بإحدى يديه على الأخرى ) أسفا وتعجبا ممن يقع منه ضلال بعد هذا البيان البالغ ( ثم قال : إياكم ) أحذركم ( أن تهلكوا عن آية الرجم ) أن بفتح الهمزة ( يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله ) إنما فيه حد واحد وهو الجلد .

                                                                                                          وفي حديث ابن عباس عن عمر : " أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها " ( فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي أمر برجم من أحصن : ماعز والغامدية ، واليهودي واليهودية ( ورجمنا ) بعده ( والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها ) قال الزركشي في البرهان : ظاهره أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس ، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه ، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة ; لأن هذا شأن المكتوب ، قال : وقد يقال لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس ; لأنها لا تصلح مانعا ، وبالجملة فهذه الملازمة مشكلة انتهى .

                                                                                                          والذي يظهر أنه ليس مراد عمر هذا الظاهر ، وإنما مراده المبالغة والحث على العمل بالرجم ; لأن معنى الآية باق وإن نسخ لفظها إذ لا يسع مثل عمر مع مزيد فقهه تجويز كتبها مع نسخ لفظها ، فلا إشكال وضمير كتبتها لآية الرجم ، وهي ( الشيخ والشيخة ) إذا زنيا ( فارجموهما ألبتة ) بهمزة قطع أي جزما ( قد قرأناها ) ثم نسخ لفظها وبقي حكمهما بدليل أنه صلى الله عليه وسلم رجم ورجمنا بعده فلم ينكر علينا .

                                                                                                          وفي حديث ابن عباس عن عمر : " وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله .

                                                                                                          [ ص: 233 ] ( قال مالك : قال يحيى بن سعيد ، قال سعيد بن المسيب : فما انسلخ ) أي مضى ( ذو الحجة ) الشهر الذي خطب فيه هذه الخطبة ( حتى قتل عمر رحمه الله ) ورضي عنه شهيدا بيد فيروز النصراني عبد المغيرة بن شعبة .

                                                                                                          ( مالك : قوله الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة ) أي المحصن والمحصنة ، وإن كانا شابين لا حقيقة الشيخ ، وهو من طعن في السن بدليل قوله : ( فارجموهما ألبتة ) فإن الرجم لا يختص بالشيخ والشيخة ، وإنما المدار على الإحصان لقوله صلى الله عليه وسلم لماعز : أحصنت ؟ قال : نعم .

                                                                                                          ولقوله عليه السلام لأهل ماعز : أبكر أم ثيب ؟ فقالوا : بل ثيب كما مر .




                                                                                                          الخدمات العلمية