الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وإن كانوا إخوة رجالا ونساء أي وإن كان من يرثون بالأخوة كلالة ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين منهم على القاعدة في كل صنف اجتمع منه أفراد في درجة واحدة ، إلا أولاد الأم فإنهم شركاء في سدس أمهم لحلولهم محلها ، ولولا ذلك لم يرثوا ; [ ص: 92 ] لأنهم ليسوا من عصبة الميت . وفي العبارة تغليب الذكور على الإناث وهو معروف في اللغة .

                          يبين الله لكم أن تضلوا أي يبين الله لكم أمور دينكم ، ومن أهمها تفصيل هذه الفرائض وأحكامها ، كراهة أن تضلوا ، أو تفاديا منها من أن تضلوا ، والمراد لتتقوا بمعرفتها والإذعان لها الضلال في قسمة التركات وغيرها ، هذا هو التوجيه المشهور زدناه بيانا بالتصرف في التقدير ، وهو على هذا مفعول لأجله . وقدم البيضاوي عليه وجها آخر ، فقال : " أي يبين الله لكم ضلالكم الذي من شأنكم ، إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه " ونقل الرازي عن الجرجاني صاحب النظم أنه قال : " يبين الله لكم الضلالة لتعلموا أنها ضلالة فتجتنبوها " اهـ .

                          والكوفيون يقدرون حرف النفي ، أي : لئلا تضلوا .

                          والأول الذي عليه البصريون أظهر ، وفي حديث ابن عمر : " لا يدعو أحدكم على ولده أن يوافق من الله ساعة إجابة " قيل : معناه لئلا يوافق ساعة إجابة ، والأظهر تقدير البصريين : أي كراهة أن يوافق ساعة إجابة ، وفي معنى الكراهة الحذر والتفادي ، وهو استعمال معروف وتكرر في القرآن والله بكل شيء عليم فما شرع لكم هذه الأحكام وسواها ، إلا عن علم بأن فيها الخير لكم وحفظ مصالحكم ، وصلاح ذات بينكم ، كما هو شأنه في جميع أحكامه وأفعاله ، كلها موافقة للحكمة الدالة على إحاطة العلم وسعة الرحمة .

                          ومن مباحث اللفظ والأسلوب في الآية أنها تدل على أن المعلوم من السياق له حكم المذكور في اللفظ حتى في إعادة الضمير عليه ، فلا يتعين تقدير لفظ المرء في بيان مرجع ضمير " وهو يرثها " بل يصح أن نقول : إن المعنى : " وهو " أي أخوها ، يرثها إلخ . ومثله قوله : فإن كانتا وإن كانوا .

                          ومن مباحث تاريخ القرآن وأسباب نزوله : ما روي من كون هذه الآية آخر آية نزلت . روى الشيخان والترمذي والنسائي ، وغيرهم عن البراء ، قال : آخر سورة نزلت كاملة " براءة " أي التوبة ، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة أي من آيات الفرائض ، كما صرح به بعضهم ، وبهذا لا تنافي ما رواه البخاري عن ابن عباس ، قال : آخر آية نزلت آية الربا ، وروى البيهقي عن ابن عمر مثله ، وفي بعض الروايات عن عمر التعبير بقوله : " من آخر ما نزل آية الربا " رواه أحمد وابن ماجه ، قالوا : المراد بآية الربا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( 2 : 278 ) الآية . وذكر عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي ، ولم يفسرها ، وفي روايات ضعيفة عن ابن عباس ، أن آخر آية نزلت ، أو آخر ما نزل ، قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( 2 : 281 ) الآية ، وهي بعد آيات الربا من سورة البقرة التي تقدم أنها من آخر ما نزل ، أو آخره . قال في رواية الكلبي عن أبي صالح عنه : وكان بين نزولها وبين موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد وثمانون [ ص: 93 ] يوما . ورواية الكلبي عن أبي صالح هي أوهى الروايات عن ابن عباس ، فلا يعتد بها ، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير : " أنها آخر ما نزل من القرآن كله ، قال : وعاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية ، تسع ليال ، ومات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ) وفي هذه الرواية بحث ليس هذا محله . وجملة القول أنه لا سبيل إلى القطع بآخر آية نزلت من القرآن ، وإنما نقول : إن هذه الآية من آخر ما نزل قطعا ، ويجوز أن تكون آخرها كلها ، والله أعلم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية