الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( أصول التشريع في الإسلام )

                          المعروف عند جمهور أهل السنة أن أصول التشريع الأساسية أربعة :

                          ( 1 ) القرآن المجيد والمشهور عند علماء الأصول أن آيات الأحكام العملية فيه من دينية وقضائية وسياسية لا تبلغ عشر آياته ، وعدها بعضهم خمسمائة آية للعبادات والمعاملات ، والظاهر أنهم يعنون الصريح منها وأكثرها في الأمور الدينية ؛ لأن أكثر أمور الدنيا موكولة إلى عرف الناس واجتهادهم .

                          ( 2 ) ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعمل والقضاء به من بيان لكتاب الله تعالى ، وقالوا أيضا إن أحاديث الأحكام الأصول خمسمائة حديث تمدها أربعة آلاف فيما أذكر .

                          ( 3 ) إجماع الأمة ، واتفق الأئمة على الاحتجاج بإجماع الصحابة في الدينيات ، وفي إجماع المجتهدين بعدهم تفصيل .

                          ( 4 ) اجتهاد الأئمة والأمراء والقضاة والقواد في الأمور القضائية والسياسية والإدارية والحربية ، وخصه بعض الفقهاء ( بالقياس ) وأنكر بعضهم القياس وقيده آخرون كما فصلنا ذلك في تفسير آية ( 5 : 101 ) .

                          وورد في هذا الترتيب أحاديث وآثار تدل على العمل به في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين ( منها ) حديث معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسله إلى اليمن قال له : ( ( كيف تصنع إذا عرض لك قضاء ؟ ) ) قال : أقضي بما في كتاب الله ، قال : فإن لم يكن في كتاب الله ) ) ؟ قال : فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : ( ( فإن لم يكن في سنة رسول الله ) ) قال : أجتهد رأيي لا آلو . قال معاذ : فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدري ثم قال : ( ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ) رواه أبو داود والترمذي من طريق الحارث بن عمرو وفيه مقال وله شواهد ، وأما العمل بهذا الترتيب فهو معروف عن الخلفاء الراشدين ، وقد بيناه في محله وبه أمر عمر - رضي الله عنه - قاضيه شريحا في كتابه المشهور في القضاء ، ولكن الفقهاء يقدمون الإجماع حتى العرفي عند علماء الأصول - وهو مختلف فيه - على النص .

                          والأصل في شرعية اجتهاد الرأي للحكام حديث ( ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد ) ) رواه الجماعة كلهم .

                          بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي أمراء الجيوش والسرايا حق الحكم بما يرون فيه المصلحة بقوله للواحد منهم : ( ( وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك على أن تنزلهم على حكم [ ص: 221 ] الله فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا ) ) رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث بريدة . وقال مثل ذلك في إنزالهم على ذمة الأمير دون ذمة الله ورسوله لئلا يخفرها .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية