الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1150 وقالت عائشة أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك حدثنا بذلك إسحق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة بهذا وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الشافعي وإسحق وقال أحمد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة ولا المصتان وقال إن ذهب ذاهب إلى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قوي وجبن عنه أن يقول فيه شيئا وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يحرم قليل الرضاع وكثيره إذا وصل إلى الجوف وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأهل الكوفة عبد الله بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ويكنى أبا محمد وكان عبد الله قد استقضاه على الطائف وقال ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( وقالت عائشة أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات ) بسكون الشين وبفتح الضاد قاله القاري . ( فنسخ من ذلك خمسا ) أي : فنسخ الله تعالى من ذلك المذكور خمس رضعات ، وقد ضبط في النسخة الأحمدية المطبوعة فنسخ بضم النون ، وكسر السين ، ويخدشه قوله خمسا بالنصب . نعم لو كان خمس بالرفع لكان صحيحا ( وصار إلى خمس رضعات إلخ ) وفي رواية مسلم قالت : فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ، قال النووي معناه : أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده ، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك ، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى ، والنسخ ثلاثة أنواع : " أحدها " - ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات " والثاني " - ما نسخ تلاوته دون حكمه كخمس رضعات ، وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما . " والثالث " - ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الآية . انتهى كلام النووي . ( وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الشافعي وإسحاق ) قال [ ص: 260 ] النووي اختلف العلماء في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع ، فقالت عائشة والشافعي ، وأصحابه : لا يثبت بأقل من خمس رضعات ، وقال جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة . حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وطاوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ، ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة رضي الله عنهم ، قال : فأما الشافعي وموافقوه فأخذوا بحديث عائشة خمس رضعات معلومات ، وأخذ مالك بقوله تعالى : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ولم يذكر عددا ، وهاهنا اعتراضات من قبل الشافعية على المالكية ، ومن قبل المالكية على الشافعية ، مذكورة في شروح مسلم والبخاري . ( فهو مذهب قوي ) لصحة دليله وقوته ( وجبن ) الجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة . فهو إما مصدر ويحتمل أن يكون بصيغة الماضي بفتح الموحدة وبضمها . ( عنه ) الضمير المجرور يرجع إلى قوله ذاهب ( أن يقول فيه ) أي : في هذا المذهب القوي ( شيئا ) والمعنى : جبن عن ذلك الذاهب أن يتكلم في هذا المذهب القوي بشيء من الكلام ، أو ذلك جبن عنه ، والظاهر أن هذا مقولة أحمد ، وقيل أنه مقولة الترمذي ، وضمير عنه يرجع إلى أحمد . قوله : ( وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم : يحرم قليل الرضاع وكثيره إذا وصل إلى الجوف ، وهو قول سفيان الثوري ، ومالك بن أنس والأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، ووكيع وأهل الكوفة ) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وهو قول الجمهور ، وإليه ميلان الإمام البخاري رحمه الله فإنه قال في صحيحه : باب من قال لا رضاع بعد حولين إلى أن قال : وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره . انتهى ، قال الحافظ : وهذا مصير منه إلى التمسك بالعموم الوارد في الأخبار . انتهى . قلت استدل هؤلاء الأئمة بإطلاق قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وإطلاق حديث : إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب ، وغير ذلك قال الحافظ في الفتح : وقوى مذهب الجمهور أن الأخبار اختلفت في العدد ، وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك . فوجب الرجوع إلى أصل ما ينطلق عليه الاسم ، ويعضده من حيث النظر أنه معنى طارئ يقتضي تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر ، أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم فلا يشترط فيه العدد كالمني ، والله أعلم ، وأيضا فقول [ ص: 261 ] عائشة : عشر رضعات معلومات ، ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ . لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين ؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر ، فلم يثبت كونه قرآنا ، ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه . انتهى كلام الحاكم .




                                                                                                          الخدمات العلمية