الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1740 [ 917 ] وعن أبي موسى الأشعري ، أنه بعث إلى قراء البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد ، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها ; غير أني قد حفظت منها : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ; غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة .

                                                                                              رواه مسلم (1051) .

                                                                                              [ ص: 93 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 93 ] وقوله : " ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم " ; يعني به : لا تستطيبوا مدة البقاء في الدنيا ، فإن ذلك مفسد للقلوب بما يجره إليها من الحرص والقسوة ، حتى لا تلين لذكر الله ، ولا تنتفع بموعظة ولا زجر ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : (إن أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق ، وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا ، وما بعدهما لأحد خير من دنيا ولا آخرة) .

                                                                                              وقوله : " كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها " ، وهذا ضرب من النسخ ، فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة أضرب :

                                                                                              [ ص: 94 ] أحدها : نسخ الحكم وبقاء التلاوة .

                                                                                              والثاني : عكسه ، وهو: نسخ التلاوة وبقاء الحكم .

                                                                                              والثالث : نسخ الحكم والتلاوة ، وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى ، فإنهما رفع حكمهما وتلاوتهما . وهذا النحو من النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال : ما ننسخ من آية أو ننسها ; على قراءة من قرأها بضم النون ، وكسر السين . وكذلك قوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله وهاتان السورتان مما قد شاء الله تعالى أن ينسيه بعد أن أنزله ، وهذا لأن الله تعالى فعال لما يريد ، قادر على ما يشاء ; إذ كل ذلك ممكن .

                                                                                              ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء ، فإن ذلك باطل ; بدليل قوله تعالى : إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان ، كما قررناه في أصول الفقه .

                                                                                              وقوله تعالى : لم تقولون ما لا تفعلون هو استفهام على حجة الإنكار والتوبيخ ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله . أما في الماضي: فيكون كذابا ، أو في المستقبل: فيكون خلفا ، وكلاهما مذموم . وهذا في قوله تعالى : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون

                                                                                              [ ص: 95 ] وأما في هذا الحديث ، فإنما يتناول أن يخبر عن نفسه بشيء فعله فيما مضى ، ويتمدح به فقط ، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فتكتب شهادة في أعناقكم ) .




                                                                                              الخدمات العلمية