الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6409 6410 6411 6412 6413 ص: فإن رسول الله -عليه السلام- قد قال: " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، ، يأتيه الأمر من أمري فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حرام حرمناه، وما وجدنا من حلال أحللناه، ألا وإن ما حرم رسول الله فهو مثل ما حرم الله". .

                                                حدثنا بذلك محمد بن الحجاج ، قال: ثنا أسد، قال: ثنا معاوية بن صالح ، عن الحسن بن جابر ، عن المقدام بن معدي كرب الكندي ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أبو مسهر ، ثنا يحيى بن حمزة ، قال: حدثني الزبيدي ، عن مروان بن رؤبة أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي ، عن المقدام بن معدي كرب الكندي أن رسول الله -عليه السلام- قال: " إني أوتيت الكتاب وما يعدله، يوشك شبعان على أريكته ، يقول: بيننا وبينكم هذا الكتاب فما كان فيه من حلال حللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك، لا يحل ذو ناب من السباع ، ولا الحمار الأهلي". .

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي النضر ، عن موسى بن عبد الله بن قيس ، عن أبي رافع ، عن النبي -عليه السلام- (ح).

                                                [ ص: 152 ] وحدثنا يونس ، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد ، عن أبي النضر ، عن موسى بن عبد الله بن قيس ، عن أبي رافع مولى رسول الله -عليه السلام-، قال: قال رسول الله -عليه السلام- والناس حوله: "لا أعرفن أحدكم يأتيه الأمر من أمر قد أمرت به أو نهيت عنه، وهو متكئ على أريكته، فيقول: ما وجدناه في كتاب الله عملناه، وإلا فلا". .

                                                حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي، قال: ثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، وأبي النضر ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه وغيره ، عن النبي -عليه السلام- أنه قال: " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه". .

                                                فحذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خلاف أمره كما حذر من خلاف كتاب الله -عز وجل-، فليحذر أن يخالف شيئا من أمر رسول الله -عليه السلام-؛ فيحق عليه ما يحق على مخالفة كتاب الله -عز وجل-، وقد تواترت الآثار عن رسول الله -عليه السلام- في النهي عن لحوم الحمر الأهلية ، ما قد ذكرنا، ورجعت معانيها إلى ما وصفنا، فليس ينبغي لأحد خلاف شيء من ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما بين معاني الأحاديث التي وردت في تحريم لحم الحمر الأهلية، عند كشفها يرجع إلى معنى واحد، وهو أن النهي فيها لمعنى في نفسه لا لعلة أخرى، وأنه إذ ثبت هذا لا ينبغي لأحد خلاف شيء من ذلك، بين هاهنا أن من خالف نبي الله -عليه السلام- فيما أمر به ونهى عنه، كمن خالف كتاب الله وأشار إلى ذلك بقوله: "فإن رسول الله -عليه السلام-" بالفاء تنبيها على ذلك، بالفاء التعليلية.

                                                وأخرج في ذلك عن المقدام بن معدي كرب وابن رافع .

                                                أما حديث المقدام فأخرجه من طريقين جيدين:

                                                الأول: عن محمد بن الحجاج الحضرمي ، عن أسد بن موسى ، عن معاوية بن صالح بن حدير قاضي الأندلس ، عن الحسن بن جابر اللخمي ، عن المقدام بن معدي كرب ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                [ ص: 153 ] وأخرجه الترمذي: نا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا معاوية بن صالح ، عن الحسن بن جابر اللخمي ، عن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإن ما حرم رسول الله -عليه السلام- كما حرم الله".

                                                فقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

                                                وأخرجه ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن حباب ، عن معاوية بن صالح، حدثني الحسن بن جابر ، عن المقدام بن معدي كرب الكندي أن رسول الله -عليه السلام- قال: "يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي يقول: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل- فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله".

                                                الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني شيخ البخاري في غير "الصحيح"، عن يحيى بن حمزة بن واقد الدمشقي القاضي ، عن محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي عن مروان بن رؤبة التغلبي الحمصي عن عبد الرحمن بن عوف القرشي الحمصي قاضيها عن المقدام بن معدي كرب .

                                                وأخرجه أبو داود: عن عبد الوهاب بن نجدة ، عن أبي عمرو بن كثير ، عن جرير بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف ، عن المقدام ... . إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "لا ألفين أحدكم" أي لا أجد وألفي، يقال: ألفيت الشيء ألفيه إلفاء إذا وجدته، وصادفته، ولقيته، قال الله تعالى: وألفيا سيدها لدى الباب والنون فيه للتوكيد، و"أحدكم" منصوب لأنه مفعول لقوله: "لا ألفين".

                                                [ ص: 154 ] قوله: "على أريكته" الأريكة السرير في الحجلة من دون ستر، ولا يسمى أريكة، وقيل: هو كل ما أتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة.

                                                قوله: "يوشك" مضارع أوشك وهو من أفعال المقاربة، من أخوات كاد وعسى، ويستعمل منه مضارع واسم فاعل، والمضارع أكثر، وخبره فعل مضارع مقرون بأن غالبا كعسى وقد يجيء مجردا عنها على قلة، كما في الحديث المذكور.

                                                وفيه من الأحكام: تعظيم حديث رسول الله -عليه السلام-، وتعظيم أوامره ونواهيه.

                                                وفيه: أن ما حرم الله وحرم رسوله سواء وأن تحريم الرسول من تحريم الله.

                                                وفيه: أن مخالفة الرسول كمخالفة الله تعالى.

                                                وأما حديث أبي رافع مولى النبي -عليه السلام- فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن عمرو بن الحارث بن يعقوب المصري ، عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي التيمي المدني ، عن موسى بن عبد الله بن قيس ، عن أبي رافع إبراهيم -أو أسلم- مولى النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه أبو يعلى في "مسنده": ثنا أسامة بن يزيد، ثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن سالم المكي ، عن موسى بن عبد الله بن قيس ، عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: "ألا لا أعرفن ما بلغ أحدكم عني الحديث من حديثي أمرت أو نهيت، فيقول وهو متكئ على أريكته: هذا القرآن فما وجدناه اتبعناه وما لم نجده فلا حاجة لنا به".

                                                الثاني: عن يونس أيضا، عن عبد الله بن وهب ، عن الليث بن سعد ، عن أبي النضر سالم ... . إلى آخره.

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا مطلب بن شعيب الأزدي، ثنا عبد الله بن [ ص: 155 ] صالح، حدثني الليث ، عن أبي النضر ، عن موسى بن عبد الله بن قيس ، عن أبي رافع مولى رسول الله -عليه السلام- قال: قال رسول الله -عليه السلام- والناس حوله: "لا أعرفن أحدكم يأتيه أمر من أمري وهو متكئ على أريكته، يقول: ما وجدنا في كتاب الله -عز وجل- عملنا به".

                                                الثالث: عن عيسى بن إبراهيم الغافقي المصري ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر وأبي النضر سالم ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه وغيره، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه الترمذي: ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر وسالم أبي النضر ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي رافع وغيره، رفعه قال: "لا ألفين أحد متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه".

                                                قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى بعضهم عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن النبي -عليه السلام- مرسل.

                                                وسالم أبو النضر عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وكان ابن عيينة إذا روى هذا الحديث على الانفراد بين حديث محمد بن المنكدر من حديث سالم أبي النضر، وإذا جمعهما روى هكذا.

                                                وأخرجه أبو داود: عن أحمد بن حنبل والنفيلي ، عن سفيان ، عن أبي النضر ، عن عبيد الله بن أبي نافع ، عن أبيه، به.

                                                وأخرجه ابن ماجه: عن نصر بن علي الجهضمي ، عن ابن عيينة ، عن سالم أبي النضر -أو زيد بن أسلم- عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه، نحوه.




                                                الخدمات العلمية