الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2595 2596 2597 2598 ص: ثم قد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بعد ذلك ما يفعلون لما ينوبهم في صلاتهم ، حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي - عليه السلام - قال : " من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله ، فإنما التصفيق للنساء والتسييح للرجال " .

                                                حدثنا ابن منقذ ، قال : ثنا المقرئ ، عن المسعودي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : " انطلق رسول الله - عليه السلام - إلى قوم من الأنصار ليصلح بينهم ، فجاء حين الصلاة وليس بحاضر ، فتقدم أبو بكر - رضي الله عنه - ، فبينما هو كذلك إذ جاء رسول الله - عليه السلام - ، فصفح القوم ، فأشار إليه رسول الله - عليه السلام - أن يثبت ، فأبى [ ص: 42 ] أبو بكر رضي الله عنه - حتى نكص ، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ، فلما قضى صلاته قال لأبي بكر : ما منعك أن تثبت كما أمرتك ؟! قال : لم يكن لابن أبي قحافة أن يتقدم أمام رسول الله - عليه السلام - ، قال : فأنتم ما لكم صفحتم ؟! قالوا : لنؤذن أبا بكر ، قال : التصفيح للنساء والتسييح للرجال " . .

                                                حدثنا نصر ، قال : ثنا الخصيب ، قال : ثنا وهيب ، عن أبي حازم ، . . فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا قبيصة ، قال : ثنا الثوري ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : " من نابه في صلاته شيء فليسبح ، فإن التصفيح للنساء " . . .

                                                التالي السابق


                                                ش: لما لم يبين النبي - عليه السلام - في حديث معاوية بن الحكم ماذا يفعلون إذا نابهم شيء في الصلاة ، ومنعه عن الكلام بقوله : "إن صلاتنا هذه . . . " الحديث ، ودل أن كلام الناس مطلقا يفسد الصلاة ، علم بعد هذا ما يفعلون في صلاتهم إذا نابت لهم نائبة ، وذلك في حديث سهل بن سعد وغيره .

                                                وأخرجه بأربع طرق صحاح :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي حازم -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- سلمة بن دينار الأعرج الأفزر التمار المدني القاضي الزاهد الحكيم ، روى له الجماعة ، عن سهل بن سعد الساعدي الصحابي - رضي الله عنه - .

                                                وهذا الإسناد على شرط مسلم .

                                                وأخرجه أحمد في مسنده : ثنا سفيان ، عن أبي حازم ، سمع سهل بن سعد ، عن النبي - عليه السلام - : "من نابه شيء في صلاته فليقل : سبحان الله إنما التصفيح للنساء والتسبيح للرجال " . [ ص: 43 ] وأخرجه البخاري : ثنا يحيى ، أنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال النبي - عليه السلام - : "التسبيح للرجال ، والتصفيح للنساء " .

                                                وأخرجه مسلم نحوه .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن منقذ العصفري ، عن عبد الله بن يزيد القرشي أبي عبد الرحمن المقرئ القصير شيخ البخاري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي وثقه أحمد ويحيى وآخرون ، عن أبي حازم . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا عبد الله بن مسلمة ، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : "خرج النبي - عليه السلام - يصلح بين بني عمرو بن عوف وحانت الصلاة ، فجاء بلال أبا بكر - رضي الله عنهما - ، فقال : حبس النبي - عليه السلام - ، فتؤم الناس ؟ قال : نعم إن شئتم ; فأقام بلال الصلاة ، فتقدم أبو بكر - رضي الله عنه - فصلى ، فجاء النبي - عليه السلام - يمشي في الصفوف يشققها شقا حتى قام في الصف الأول ، فأخذ الناس بالتصفيح -قال سهل : هل تدرون ما التصفيح ؟ هو التصفيق- وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلما أكثروا التفت ، فإذا النبي - عليه السلام - في الصف ، فأشار إليه : مكانك! فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ، ثم رجع القهقرى وراءه ، وتقدم النبي - عليه السلام - فصلى " .

                                                وفي رواية للبخاري : "فتقدم رسول الله - عليه السلام - فصلى للناس ، فلما فرغ أقبل على الناس فقال : أيها الناس ، ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق! إنما التصفيق للنساء ، من نابه شيء في صلاته فليقل : سبحان الله ; فإنه لا يسمعه أحد حين يقول : سبحان الله إلا التفت ، يا أبا بكر ، ما منعك أن تصلي بالناس حين [ ص: 44 ] أشرت إليك ؟! فقال أبو بكر : ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - عليه السلام - " .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك بن أنس ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي : "أن رسول الله - عليه السلام - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلى أبي بكر ، فقال : أتصلي بالناس فأقيم ؟ قال : نعم ، قال : فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله - عليه السلام - والناس في الصلاة ، فتخلص حتى وقف في الصف ، فصفق الناس ، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - لا يلتفت في الصلاة ، فلما أكثر الناس من التصفيق التفت ، فرأى رسول الله - عليه السلام - فأشار إليه رسول الله - عليه السلام - أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله - عليه السلام - من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف ، وتقدم النبي - عليه السلام - فصلى ، ثم انصرف فقال يا أبا بكر ! ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - عليه السلام - . فقال رسول الله - عليه السلام - : ما لي رأيتكم أكثرتم من التصفيق ، من نابه شيء في الصلاة فليسبح ; فإنه إذا سبح التفت إليه ، وإنما التصفيح للنساء " .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا القعنبي ، عن مالك ، عن أبي حازم عن سهل بن سعد : "أن رسول الله - عليه السلام - ذهب إلى بني عمرو بن عوف . . . " إلى آخره نحو رواية مسلم .

                                                وأخرجه النسائي : أخبرنا أحمد بن عبدة ، عن حماد بن زيد ، ثم ذكر كلمة معناها : ثنا أبو حازم ، قال سهل بن سعد : "كان قتال بين بني عمرو بن عوف ، فبلغ ذلك النبي - عليه السلام - فصلى الظهر ، ثم أتاهم ليصلح بينهم ، ثم قال لبلال : يا بلال ، إذا حضر العصر ولم آت فمر أبا بكر فيصلي بالناس ، فلما حضرت أذن [ ص: 45 ] بلال ، ثم أقام فقال لأبي بكر تقدم ، فتقدم أبو بكر فدخل في الصلاة ، ثم جاء رسول الله - عليه السلام - فجعل يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر وصفح القوم ، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - إذا دخل في الصلاة لم يلتفت ، فلما رأى أبو بكر التصفيح لا يمسك عنه التفت ، فأومأ إليه رسول الله - عليه السلام - بيده ، فحمد الله -عز وجل- على قول رسول الله - عليه السلام - له امضه ، ثم مشى أبو بكر - رضي الله عنه - القهقرى على عقبيه ، فلما رأى ذلك رسول الله - عليه السلام - ، تقدم فصلى بالناس فلما قضى صلاته ، قال : يا أبا بكر ، ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت ؟ فقال : لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله - عليه السلام - وقال للناس : إذا نابكم شيء فليسبح الرجال ولتصفح النساء .

                                                الثالث : عن نصر بن مرزوق ، عن الخصيب بن ناصح الحارثي ، عن وهيب بن خالد البصري ، عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن سهل بن سعد . إلى آخره .

                                                وأخرجه البيهقي في سننه .

                                                الرابع : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي شيخ النسائي أيضا ، عن قبيصة بن عقبة بن محمد الكوفي شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن أبي حازم . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه الدارمي في "سننه " : أنا يحيى بن حسان ، ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي وعبد العزيز محمد ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وسفيان بن عيينة ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي - عليه السلام - مثله .

                                                قوله : "من نابه " أي : نزل به شيء من الأمور المهمة ، من : نابه ينوبه نوبا .

                                                قوله : "التصفيق " مصدر من صفق إذا ضرب على يده ، والتصفيح : هو التصفيق يقال : صفح بيده ، وصفق ، قيل : الذي بالحاء الضرب بظاهر اليدين . [ ص: 46 ] إحداهما : على باطن الأخرى ، وقيل : بإصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى ، وهو الإنذار والتنبيه ، والتصفيق بالقاف : ضرب إحداهما الصفحتين على الأخرى ، وهو اللهو واللعب ، ولكن لم يرد ها هنا إلا مجرد ضرب اليد على اليد لأجل التنبيه .

                                                قوله : "إلى قوم من الأنصار " هم بنو عمرو بن عوف .

                                                قوله : "فجاء حين الصلاة " أي : صلاة العصر كما صرح بها في رواية النسائي ، وكذا صرح بها في إحدى روايات البخاري .

                                                قوله : "فصفح القوم " من التصفيح وقد ذكرنا معناه .

                                                قوله : "أن يثبت " "أن " أتى هذه تفسيرية كما في رواية مسلم : "أن امكث " .

                                                قوله : "حتى نكص " أي : رجع وراءه وفي رواية البخاري : "ثم رجع القهقرى " .

                                                وفي رواية مسلم : "ثم استأخر " وفي رواية النسائي : "ثم مشى أبو بكر القهقرى على عقبيه " وفي رواية : نكص على عقبيه ليصل الصف ، ومعنى كله الرجوع .

                                                فإن قيل : لم لم يثبت أبو بكر - رضي الله عنه - إذ أشار إليه سيدنا - عليه السلام - بالثبات وظاهره يقتضي المخالفة ؟ .

                                                قلت : علم أبو بكر - رضي الله عنه - أنها إشارة تكريم لا إشارة إلزام ، والأمور تعرف بقرائنها ، ويدل على ذلك شق رسول الله - عليه السلام - الصفوف حتى خلص إليه ، فلولا أنه أراد الإمامة لصلى حيث انتهى .

                                                قوله : "كما أمرتك " "الكاف " فيه للتعليل و"ما " مصدرية ، والمعنى : لأجل أمري إياك بالثبات في مكانك ، وقد منع بعضهم كون "الكاف " للتعليل وأجازه بعضهم ، وقيده بعضهم بأن تكون الكاف مكفوفة بـ "ما " وذلك كما في قول سيبويه عن العرب : كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه ، والحق جوازه سواء كان مجردا عن "ما " أو [ ص: 47 ] مكفوفا بـ "ما " فالأول كما في قوله تعالى : ويكأنه لا يفلح الكافرون أي : أعجب لعدم فلاحهم ، والثاني كما في قوله تعالى : كما أرسلنا فيكم قال الأخفش : أي لأجل إرسالي فيكم رسولا منكم ، فاذكروني وكما في قوله : واذكروه كما هداكم

                                                قوله : "لم يكن لابن أبي قحافة " أراد به أبو بكر نفسه ; لأن أبا قحافة أبوه ، واسمه عثمان أسلم يوم الفتح ، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة وهو ابن سبع وتسعين سنة ، وكانت وفاة الصديق - رضي الله عنه - قبله فورث منه السدس .

                                                وهو بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبالفاء .

                                                قوله : "لنؤذن " من الإيذان وهو الإعلام ، أي : لنعلم أبا بكر - رضي الله عنه - بأنك حضرت يا رسول الله - عليه السلام - .

                                                ويستنبط من هذا أحكام :

                                                الأول : أن السنة لمن نابه شيء في الصلاة كإعلام من يستأذن عليه ، وتنبيه إمامه ونحو ذلك : أن يسبح إن كان رجلا فيقول : سبحان الله ، وأن يصفق إن كانت امرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر ، ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللهو واللعب ، فإن فعلت هذا على وجه اللعب بطلت صلاتها ; لمنافاته الصلاة ، وعن هذا قال صاحب "المحيط " : إذا استأذن على المصلي غيره فسبح إعلاما أنه في الصلاة لا تفسد ، ثم قال : والمرأة تصفق للإعلام وروى الحديث المذكور .

                                                الثاني : أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة يقدم غيره إذا لم يخف فتنة ولا إنكارا من الإمام . [ ص: 48 ] قال السفاقسي : وفيه دليل على جواز استخلاف الإمام إذا أصابه ما يوجب ذلك ، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي ، وبه قال عمر وعلي والحسن وعلقمة وعطاء والنخعي والثوري .

                                                وعن الشافعي وأهل الظاهر : لا يستخلف الإمام ، وقال بعض المالكية تأخر أبي بكر - رضي الله عنه - وتقدمه - عليه السلام - من خواص النبي - عليه السلام - لأنهم كانوا تقدموا النبي - عليه السلام - بالإحرام ، ولا يفعل ذلك بعد النبي - عليه السلام - .

                                                قلت : هذا الحديث حجة على الشافعي في منعه صحة الاستخلاف ، وأصحابنا جوزوا الاستخلاف بهذا الحديث ، وبحديث عائشة - رضي الله عنها - : لما مرض مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة فأذن ، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . . . " الحديث .

                                                فإن قيل : أنتم ما تجوزون الاستخلاف إلا فيمن سبقه الحدث ، حتى لو تعمد ذلك أو قهقه أو تكلم لا يجوز الاستخلاف ، فكيف تستدلون بالحديث ؟

                                                قلت : لأن الذي سبقه الحدث عاجز عن المضي في الصلاة فيجوز له الاستخلاف ، كما أن أبا بكر - رضي الله عنه - عجز عن المضي فيها ليكون المضي من باب المتقدم على رسول الله - عليه السلام - ، وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله فصار هذا أصلا في حق كل إمام عجز عن الإتمام أن يتأخر ويستخلف غيره .

                                                الثالث : قال النووي في تقدمه - عليه السلام - : يستدل به أصحابنا على جواز اقتداء المصلي بمن يحرم في الصلاة بعد الإمام الأول ; فإن الصديق - رضي الله عنه - أحرم بالصلاة أولا ثم اقتدى بالنبي - عليه السلام - حين أحرم بعده ، قال : وهو الصحيح من مذهبنا . [ ص: 49 ] الرابع : قال ابن الجوزي : فيه دليل على جواز الصلاة بإمامين وذلك أن النبي - عليه السلام - لما وقف عن يسار أبي بكر - رضي الله عنه - علم أبو بكر أنه نوى الإمامة فعندها نوى أبو بكر الإتمام .

                                                الخامس : قال الطبري : فيه دليل على أن من سبق إمامه بتكبيرة الإحرام ، ثم ائتم به في صلاته أن صلاته تامة ، وبيان فساد قول من زعم أن صلاته لا تجزئه ; وذلك لأن أبا بكر - رضي الله عنه - كان قد صلى بهم بعض الصلاة ، وقد كانوا كبروا معه للإحرام ، فلما أحرم رسول الله - عليه السلام - لنفسه للصلاة بتكبيرة الإحرام ولم يستقبل القوم صلاتهم بل بنوا عليها مؤتمين به ، وقد كان تكبيرهم للإحرام تقدم تكبيره .

                                                والجواب عن هذا : أن إمامهم كان أبا بكر - رضي الله عنه - أولا ولم يسبق تكبيرهم على تكبيره ، ثم إن النبي - عليه السلام - أتم صلاة أبي بكر ولم يبتدئها من أولها حتى يلزم ما ذكره ، وهذا ظاهر لمن يتكلم بالتأمل .

                                                وقال ابن بطال : لا أعلم من يقول إن من كبر قبل إمامه فصلاته تامة ، إلا الشافعي بناء على مذهبه ، وهو أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإمام ، وسائر الفقهاء لا يجيزون صلاة من كبر قبل إمامه .

                                                السادس : قال السفاقسي : احتج به من الحذاق على أبي حنيفة في قوله : "إن سبح الرجل لغير إمامه لم تجزه صلاته " ومذهب مالك والشافعي : إذا سبح لأعمى خوفا لأن يقع في بئر أو من دابة أو حية ; أنه جائز .

                                                قلت : لا نسلم أن يكون هذا حجة على أبي حنيفة ; لأن الذي في الحديث : "فصفق الناس " وهو غير التسبيح .

                                                وأما قوله "من نابه شيء في الصلاة فليسبح " فأبو حنيفة أيضا يعمل به كما بينا ولئن سلمنا ذلك فمراد أبي حنيفة من قوله : "إذا سبح الرجل لغير إمامه لم يجزه " إذا كان على وجه الجواب مثل ما أخبر الرجل لمن في الصلاة بخبر يعجبه ، وقال : سبحان الله ، وأما إذا كان لا على وجه الجواب لا تفسد صلاته كما في المسألة المذكورة ; لعموم قوله : "من نابه شيء . . . " الحديث . [ ص: 50 ] السابع : استدل به مالك أن من أخبر في صلاته بسرور فحمد الله لا يضر صلاته ; لأن أبا بكر - رضي الله عنه - رفع يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله - عليه السلام - ، وقال ابن القاسم : ومن أخبر بمصيبة فاسترجع ، أو أخبر بشيء فقال : الحمد لله على كل حال ، أو قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات لا يعجبني وصلاته مجزئة ، وقال أشهب : إلا أن يريد بذلك قطع الصلاة ، وكذلك عند أبي يوسف من أصحابنا إذا أخبر المصلي بما يسوءه فاسترجع ، أو أخبر بما يسره فحمد الله ، لا تبطل صلاته ، لفعل أبي بكر - رضي الله عنه - .

                                                وقال أبو حنيفة ومحمد : تفسد ; لأنه خرج مخرج الجواب ، ويجاب لهما عن فعل أبي بكر - رضي الله عنه - بما قاله ابن الجوزي : إنما كان إشارة منه إلى السماء لا أنه تكلم ، وفيه نظر لأنه صرح بقوله : فحمد الله على ما أمره به رسول الله - عليه السلام - والأحسن أن يقال : إن هذا لم يخرج من أبي بكر مخرج الجواب فافهم .

                                                الثامن : ينبغي أن يكون المقدم نيابة عن الإمام أفضل القوم وأصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به .

                                                التاسع : أن المؤذن وغيره يعرض المتقدم على الفاضل ، وأن الفاضل يوافقه .

                                                العاشر : أن العمل اليسير لا يفسد الصلاة ; لقوله : "فصفح القوم " .

                                                الحادي عشر : جواز الالتفات في الصلاة للحاجة .

                                                الثاني عشر : استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة .

                                                الثالث عشر : جواز رفع اليدين بالدعاء .

                                                الرابع عشر : جواز المشي في الصلاة خطوة أو خطوتين .

                                                الخامس عشر : أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء وفهم منه الإكرام وعدم الإلزام ، وترك الامتثال لا يكون مخالفة للأمر .

                                                السادس عشر : استحباب ملازمة الآداب مع الكبار . [ ص: 51 ] السابع عشر : فيه بيان فضيلة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - على سائر الصحابة - رضي الله عنهم - .

                                                الثامن عشر : أن الإمامة لا تصح إلا عند إرادة الدخول في الصلاة .

                                                التاسع عشر : جواز خرق الإمام الصفوف ليصل إلى موضعه إذا احتاج لخرقها ; لخروجه إلى طهارة أو لرعاف ونحوهما ورجوعه ، وكذا من احتاج إلى الخروج من المأمومين لعذر ، وكذا خرقها في الدخول إذا رأى قدامه فرجة لأنهم مقصرون بتركها .

                                                العشرون : قال النووي : فيه أن المؤذن هو الذي يقيم الصلاة فهذا هو السنة ولو أقام غيره كان خلاف السنة ، ولكن يعتد بإقامته عندنا .

                                                قلت : لا يلزم من ذلك أنه إذا أقام غيره يكون خلاف السنة ، وليست ها هنا دلالة على هذه الدعوى .

                                                الحادي والعشرون : قال أيضا : فيه دليل على تقديم الصلاة لأول وقتها .

                                                قلت : هذا أيضا لا يدل على فضيلة المتقدم ; لأنهم ربما كانوا استعجلوا بها خوفا على فواتها بصبرهم وانتظارهم إلى حضور رسول الله - عليه السلام - ; لأنه - عليه السلام - قد كان ذهب إلى قباء وهي بعيدة من المدينة ، وفي مثل هذا نحن أيضا نقول بالتقديم ، والله أعلم .



                                                الخدمات العلمية