الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
304 [ 237 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج - قال الربيع: قيل لي: هو ابن جريج ولم يكن عندي ابن [ ص: 445 ] جريج عن عمرو بن دينار، عن جابر كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم ينطلق إلى قومه فيصليها لهم، هي له تطوع وهي لهم مكتوبة العشاء.

التالي السابق


الشرح

قصة معاذ هذه مخرجة في الصحيحين وما يتلوهما من المسانيد بروايات مطولة ومختصرة.

وقوله: والعشاء أو العتمة بين أنهم كانوا قد يسمونها عتمة، وإن كان الأحب أن تسمى عشاء.

وقوله: فيصليها بقومه في بني سلمة ليس على معنى أن معاذا من بني سلمة، فإن سلمة: هو ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، وهم رهط جابر بن عبد الله وكعب بن مالك وغيرهما من الأنصار، ومعاذ: هو ابن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد، وأدي أخو سلمة بن سعد، ومعاذ من بني عم بني سلمة لا من بني سلمة، وكأن قومه كانوا مع بني سلمة مكانا ونصرة فلذلك قال: يصليها بقومه في بني سلمة.

وفي قوله: فأخر العشاء ذات ليلة ما يبين أن معهوده الذي كان يواظب عليه تعجيل الصلاة، واتفق في بعض الليالي التأخير لعارض.

وقوله: فقرأ سورة البقرة أي: شرع في قراءتها، يبينه قوله من بعد: فافتتح بسورة البقرة فلما رأيت ذلك تأخرت فصليت.

وقوله: فتنحى رجل من قومه فصلى وحده يحتمل من جهة اللفظ [ ص: 446 ] أن يريد أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه، لكنه غير محمول عليه؛ فإن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه، ولو كان المراد ذلك لأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، ولكنه محمول على أنه قطع القدوة وأتم الصلاة لنفسه.

واحتج به على أن للمقتدي قطع القدوة في صلاته، وعلى هذا فالتنحي المذكور كان بحيث لا تبطل الصلاة لكثرة الأفعال.

والنواضح: التي يسنى عليها الماء، سميت نواضح لنضحها الماء بالاستقاء ثم لصبها، وقصد بقوله: إنا أصحاب نواضح إبداء العذر في التخلف عن مصابرة القراءة الطويلة.

وقوله: أفتان أنت أي: تعمل عمل من يبغي الفتنة في تفويت الجماعة على الناس وتفريق الكلمة.

وفي القصة دليل على أن من صلى مرة بالجماعة يجوز أن يعيدها في جماعة أخرى، وأن يؤم قوما أخرى فيها، وأن الإمام ينبغي أن يخفف، وأنه يستحب أن يقرأ في العشاء أوساط المفصل، وأن سورة البقرة كانت مرتبة معلومة النظم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك سائر السور المذكورة متفرقة في الخبر، وبذلك يتبين أن ما نسب إلى الصحابة من تأليف القرآن ليس على معنى أنهم رتبوا الآيات وإنما المراد أنهم جمعوا السور في مصحف واحد، وزاد أبو الزبير في الإسناد الثاني تعيين السورة، وعرض ما عينه على عمرو بن دينار فقال: هو هذا أو نحوه كأنه لم يتذكر السورة بعينها فأبهم الكلام إبهاما، وعرف أن ما عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حد ما رواه أبو الزبير، فقال: هو هذا أو نحوه [ ص: 447 ]

وفي الإسناد الثالث بيان أن الفريضة المؤداة في المرة الأولى وأن الثانية تطوع، واحتج الشافعي على أنه لا بأس باختلاف نية الإمام والمأموم بأن يقتدي المفترض بالمتنفل، وقال: الظاهر أن قوله هي له تطوع وهي لهم مكتوبة العشاء من كلام جابر - رضي الله عنه -، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وأخشى لله من أن يقولوا مثل هذا إلا عن علم.

وقول الربيع: ولم يكن عندي ابن جريج أراد أنه سقط من كتابه ذكر ابن جريج، قال الأئمة: والصواب إثباته، وكذلك رواه حرملة عن الشافعي.




الخدمات العلمية