الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الكلام كله كلام مجاهد، رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه، ورواه ابن المنذر عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك عن محمد بن ثور عن ابن جريج عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "منه" أي من الكتاب يعني القرآن، قال هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات قال الزمخشري: محكمات أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه هن أم الكتاب أي أصل الكتاب متشابهات مشتبهات محتملات، وقال الكرماني: أما اصطلاح الأصوليين فالمحكم هو المشترك بين النص والظاهر، والمتشابه هو المشترك بين المجمل والمئول، وقال الخطابي: المحكم هو الذي يعرف بظاهر بيانه تأويله، وبواضح أدلته باطن معناه، والمتشابه ما اشتبه منها فلم يتلق معناه من لفظه، ولم يدرك حكمه من تلاوته، وهو على ضربين:

                                                                                                                                                                                  أحدهما: ما إذا رد إلى المحكم، واعتبر به علم معناه.

                                                                                                                                                                                  والآخر: ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته، وهو الذي يتبعه أهل الزيغ، فيبطلون تأويله، ولا يبلغون كنهه، فيرتابون فيه، فيفتنون به، وذلك كالإيمان بالقدر ونحوه.

                                                                                                                                                                                  ويقال: المحكم ما اتضحت دلالته، والمتشابه ما يحتاج إلى نظر وتخريج، وقيل: المحكم ما لم ينسخ، والمتشابه ما نسخ، وقيل: المحكم آيات الحلال والحرام، والمتشابه آيات الصفات والقدر، وقيل: المحكم آيات الأحكام، والمتشابه الحروف المقطعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأخر" جمع أخرى، واختلف في عدم صرفها، فقيل: لأنها نعت كما لا تصرف "كتع وجمع" لأنهن نعوت، وقيل: لم تصرف لزيادة الياء في واحدتها وأن جمعها مبني على واحدها في ترك الصرف كحمراء وبيضاء في النكرة والمعرفة لزيادة المدة والهمزة فيهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يصدق" تفسير للمتشابه.

                                                                                                                                                                                  قوله: كقوله تعالى وما يضل به إلا الفاسقين إشارة إلى أن المفهوم منه أن الفاسقين أي الضالين إنما ضلالتهم من جهة اتباعهم المتشابه بما لا يطابق المحكم طلب افتتان الناس عن دينهم وإرادة إضلالهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: وكقوله تعالى ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون إنما ذكر هذا تصديقا لما تتضمنه الآية التي قبلها؛ حيث يجعل الرجس على الذين لا يعقلون، وقيل: الرجس السخط، وقيل الإثم، وقيل العذاب، وقيل الفتن والنجاسة; أي: يحكم عليهم بأنهم أنجاس غير طاهرة، وقرأ الأعمش "الرجز" بالزاي، وبه فسر الرجس أيضا، وقال الزمخشري: الرجس الخذلان وهو العذاب، وهو شبيه قوله على الذين لا يعقلون أي أمر الله ولا أمر رسوله; لأنهم مصرون على الكفر، وهذا أيضا راجع إلى معنى الذين يتبعون ما تشابه بما لا يطابق علم الراسخين.

                                                                                                                                                                                  قوله: وكقوله والذين اهتدوا إلى آخره راجع في الحقيقة إلى معنى الذين صدرهم مجاهد في كلامه المذكور; لأن مراده من ذلك في نفس الأمر الراسخون في العلم وهم الذين اهتدوا وزادهم الله هدى، فافهم؛ فإني لم أر أحدا من الشراح أتى ساحل هذا فضلا أن يغوص فيه. والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية