الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 269 ] اعلم أن طريق ثبوت الأحكام أربعة : الانقلاب ، والاقتصار ، والاستناد ، والتبيين فالانقلاب : صيرورة ما ليس بعلة علة كالتعليق . والاقتصار : ثبوت الحكم في الحال . والاستناد : ثبوت في الحال مستندا إلى ما قبله بشرط بقاء المحل كل المدة ، كلزوم الزكاة حين الحول مستندا لوجود النصاب . والتبيين : أن يظهر في الحال تقدم الحكم كقوله إن كان زيد في الدار فأنت طالق وتبين في الغد وجوده فيها تطلق من حين القول فتعتد منه ( أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت ) للحال بسكوته ( وفي إن لم أطلقك [ ص: 270 ] لا ) تطلق بالسكوت بل يمتد النكاح ( حتى يموت أحدهما قبله ) أي قبل تطليقه فتطلق قبيل الموت لتحقق الشرط ويكون فارا .

( وإذا ما وإذا بلا نية مثل إن عنده و ) مثل ( متى عندهما ) وقد مر حكمها . ( وإن نوى الوقت أو الشرط اعتبرت ) نيته اتفاقا ما لم تقم قرينة الفور فعلى الفور .

[ ص: 269 ]

التالي السابق


[ ص: 269 ] مطلب الانقلاب والاقتصار والاستناد والتبيين ( قوله أن طريق ثبوت الحكم أربعة ) المراد جنس الطريق فصح الإخبار بقوله أربعة ط ( قوله والتبيين ) كذا عبارتهم فهو مصدر بمعنى التبين أي الظهور ( قوله كالتعليق ) كما في أنت طالق إن دخلت الدار ، فإن أنت طالق علة لثبوت حكمه وهو الطلاق ، مثل بعت علة لثبوت الملك وأعتقت علة لثبوت الحرية لكنه بالتعليق لم ينعقد علة إلا عند وجود شرطه وهو دخول الدار . وعند الشافعي ينعقد علة في الحال ، والتعليق يؤخر نزول حكمه إلى وجود الشرط ، وثمرة الخلاف في قوله إن تزوجتك فأنت طالق فإنه يصح عندنا لانعقاد علته في وقت الملك لا عنده لعدمه كما بسط في الأصول فافهم ( قوله ثبوت الحكم في الحال ) كإنشاء البيع والطلاق والعتاق وغيرها ح عن المنح ( قوله والاستناد إلخ ) قال في الأشباه : وهو دائر بين التبيين والاقتصار ، وذلك كالمضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى وقت وجود السبب ، وكالنصاب فإنه تجب الزكاة عند تمام الحول مستندا إلى وقت وجوده وكطهارة المستحاضة والمتيمم تنتقض عند خروج الوقت ورؤية الماء مستندا إلى وقت الحدث ولهذا لا يجوز المسح لهما . ( قوله بشرط بقاء المحل إلخ ) هذا الشرط هو الفارق بين الاستناد والتبيين كما أوضحه عن المنح . ومن فروع المسألة ما قالوه : لو قال لأمته : أنت حرة قبل موت فلان بشهر ثم ولدت ولدا ثم باعهما أو لم يبعهما أو باع الأم فقط أو بالعكس عتق الولد عنده لا عندهما ، وعتقت الأم بالإجماع لو لم يبعها ، وهذا لأن عنده لما استند العتق سرى إلى الولد ، وعندهما لا يسري لعدم الاستناد ، ولو باعها في وسط الشهر ثم اشتراها ثم مات فلان لتمام الشهر ; فعنده لا تعتق لعدم إمكان الاستناد إلى أول الشهر لزوال الملك في أثنائه وعندهما تعتق لأنه مقتصر وتمام الفروع في حواشي الأشباه ( قوله حين الحول ) أي حين تمامه ( قوله مستندا لوجود النصاب ) أي في أول الحول بشرط وجود النصاب كل المدة . قال ط : المراد أن لا يعدم كله في الأثناء لأنه إذا عدم جميعه ثم ملك نصابا آخر ولو بعد الأول بساعة اعتبر حول مستأنف . ( قوله تطلق من حين القول ) أي بلا اشتراط بقاء المحل ، حتى لو حاضت بعد القول ثلاثا ثم طلقها ثلاثا ثم ظهر أنه كان في الدار لا تقع الثلاث لأنه تبين وقوع الأول ، وأن إيقاع الثاني كان بعد انقضاء العدة كما في المنح عن الأكمل ( قوله فتعتد منه ) أي من حين القول ( قوله وسكت ) محترزه قوله الآتي وفي قوله أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق ( قوله طلقت للحال ) وكذا لو قال : أنت طالق زمان لم أطلقك أو حيث لم أطلقك أو يوم لم أطلقك لأنه أضاف الطلاق إلى زمان أو مكان خال عن طلاقها ، وبمجرد سكوته وجد المضاف إليه فيقع " وما " وإن كانت مصدرية إلا أنها تأتي نائبة عن ظرف الزمان ، ومنه { ما دمت حيا } وهي وإن استعملت للشرط إلا أن الوضع للوقت لأن التطليق استدعى الوقت لا محالة فرجحت جهة الوقت ، وتمامه في النهر . وفيه : ثم لا يخفى أن الفرق بين البر والحنث لا يظهر له أثر في أنت طالق ما لم أطلقك ونحوه . ومن ثم قيد بعض المتأخرين موضوع المسألة بقوله ثلاثا وهو الأولى ، نعم لو قال كلما لم أطلقك فأنت طالق وقع الثلاث متتابعات ولذا لو كانت غير مدخول بها وقعت واحدة لا غير ا هـ ( قوله وإن لم أطلقك ) ذكرهم إن وإذا هنا بالتبعية وإلا فالمناسب لهما باب التعليق ط [ ص: 270 ] عن البحر ( قوله لا تطلق بالسكوت إلخ ) لأن شرط البر تطليقه إياها في المستقبل ، وهو ممن في كل وقت يأتي ما لم يمت أحدهما فيتحقق شرط الحنث وهو عدم التطليق ، وهذا عند عدم النية أو دلالة الفور كما يأتي في إذا ( قوله حتى يموت أحدهما ) أشار به إلى أن موته كموتها وهو الصحيح خلافا لرواية النوادر ، بخلاف قوله إن لم أدخل الدار فأنت طالق حيث يقع بموته لا بموتها لأنه بعد موتها يمكنه الدخول فلا يتحقق اليأس بموتها فلا يقع ، أما الطلاق فإنه يتحقق اليأس عنه بموتها فتح ( قوله لتحقق الشرط ) أي شرط الحنث ; أما في موته فظاهر ، وأما في موتها فلتحقق اليأس عنه . قال في الفتح : وإذا حكمنا بوقوعه قبل موتها لا يرثها الزوج لأنها بانت قبل الموت فلم تبق بينهما زوجية حالة الموت ، وإنما حكمنا بالبينونة وإن كان المعلق صريحا لانتفاء العدة كغير المدخول بها ، لأن الفرض أن الوقوع في آخر جزء لا يتجزأ فلم يله إلا الموت وبه تبين . قال في البحر : وقد ظهر أن عدم إرثه منها مطلق سواء كانت مدخولا بها أو لا ثلاثا أو واحدة ، وبه ظهر أن تقييد الزيلعي عدمه بعدم الدخول أو الثلاث غير صحيح . ا هـ . ومثله في النهر ( قوله ويكون فارا ) أي إذا كان هو الميت لوقوع طلاقه في حال إشرافه على الموت ويأتي في باب طلاق المريض : لو علق الطلاق في صحته وحنث مريضا كان فارا وهذا منه رحمتي ، فإن كانت مدخولا بها ورثته بحكم الفرار وإن كان الطلاق ثلاثا وإلا لا ترثه بحر ( قوله مثل إن عنده إلخ ) أي فلا تطلق عنده ما لم يمت أحدهما وتطلق عندهما للحال بسكوته . والحاصل أن إذا عنده هنا حرف لمجرد الشرط لأنها تستعمل ظرفا وحرفا فلا يقع الطلاق للحال بالشك ، وهذا قول بعض النحاة كما في المغني ، لكن ذكر أن جمهورهم على أنها متضمنة معنى الشرط ولا تخرج عن الظرفية . قال في البحر : وهو مرجح لقولهما هنا ، وقد رجحه في فتح القدير ( قوله وإن نوى الوقت أو الشرط إلخ ) قال في البحر : وقيدنا بعدم النية لأنه لو نوى بإذا معنى متى صدق اتفاقا قضاء وديانة لتشديده على نفسه ، وكذا إذا نوى بإذا معنى إن على قولهما ، وينبغي أن يصدق عندهما ديانة فقط لأنها عندهما ظاهرة في الظرفية والشرطية احتمال فلا يصدقه القاضي ا هـ والبحث أصله لصاحب الفتح ، وانظر لو نوى بأن الفور هل يصح : الظاهر نعم ; كما لو قامت قرينة عليه . ( قوله ما لم تقم قرينة الفور ) وهي قد تكون لفظية وقد تكون معنوية ، فمن الأول طلقني طلقني ، فقال إن لم أطلق فأنت كذا كان على الفور كما في القنية ، ومن الثاني ما لو طلب جماعها فأبت فقال : إن لم تدخلي البيت فأنت كذا فدخلته بعدما سكنت شهوته طلقت والبول لا يقطعه ، وينبغي أن يكون الطيب ونحوه وكل ما كان من دواعي الجماع كذلك ، وفي الصلاة خلاف نهر : أي إذا خافت خروج وقتها . قال الحسن : لا تقطع الفور وبه يفتى . وقال نصير : تقطع وستأتي مسائل الفور في آخر باب اليمين على الدخول والخروج إن شاء الله تعالى بحر ، وفي المثالين دلالة على اعتبار قرينة الفور في إن وإن كانت لمحض الشرط اتفاقا ( قوله فعلى الفور ) جواب شرط مقدر أي فإن قامت قرينة الفور فتطلق على الفور ط .




الخدمات العلمية