الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنواع النسخ في القرآن

والنسخ في القرآن ثلاثة أنواع :

النوع الأول : نسخ التلاوة والحكم معا ، ومثاله : ما رواه مسلم وغيره عن عائشة قالت : " كان فيما أنزل : عشر رضعات معلومات يحرمن ، فنسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن مما يقرأ من القرآن " ، وقولها : " وهن مما يقرأ من القرآن " ظاهره بقاء التلاوة ، وليس كذلك ، فإنه غير موجود في المصحف العثماني . وأجيب بأن المراد : قارب الوفاة .

والأظهر أن التلاوة نسخت ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتوفي وبعض الناس يقرؤها .

وحكى القاضي أبو بكر في " الانتصار " عن قوم إنكار هذا القسم ; لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها تفيد القطع ، ولكنها ظنية .

ويجاب على ذلك بأن ثبوت النسخ شيء ، وثبوت نزول القرآن شيء آخر ، فثبوت النسخ يكفي فيه الدليل الظني بخبر الآحاد ، أما ثبوت نزول القرآن فهو الذي يشترط فيه الدليل القطعي بالخبر المتواتر ، والذي معنا ثبوت النسخ لا ثبوت القرآن فيكفي فيه أخبار الآحاد . ولو قيل إن هذه القراءة لم تثبت بالتواتر لصح ذلك .

النوع الثاني : نسخ الحكم وبقاء التلاوة ، ومثاله : نسخ حكم آية العدة بالحول مع بقاء تلاوتها - وهذا النوع هو الذي ألفت فيه الكتب وذكر المؤلفون [ ص: 231 ] فيه الآيات المتعددة . والتحقيق أنها قليلة ، كما بين ذلك القاضي أبو بكر ابن العربي .

وقد يقال : ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة ؟

والجواب من وجهين . .

أحدهما : أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه ، والعمل به ، فإنه يتلى كذلك لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه ، فتركت التلاوة لهذه الحكمة .

وثانيهما : أن النسخ غالبا يكون للتخفيف ، فأبقيت التلاوة تذكيرا بالنعمة في رفع المشقة .

وأما حكمة النسخ قبل العمل ، كالصدقة عند النجوى ، فيثاب على الإيمان به ، وعلى نية طاعة الأمر .

النوع الثالث : نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، وقد ذكروا له أمثلة كثيرة ، منها آية الرجم : " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله ، والله عزيز حكيم " ومنها ما روي في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا وقنت الرسول يدعو على قاتليهم ، قال أنس : ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع : " أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا " ثم نسخت تلاوته - وبعض أهل العلم ينكر هذا النوع من النسخ . لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد ، قال ابن الحصار : " إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابي يقول : آية كذا نسخت كذا ، قال : وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر ، قال : ولا يعتمد في النسخ على قول عوام المفسرين ، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صريح ، ولا معارضة بينة ، لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرر في عهده -صلى الله عليه وسلم- والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد ، قال : والناس في هذا بين طرفي نقيض ، فمن قائل : لا يقبل في [ ص: 232 ] النسخ أخبار الآحاد العدول ، ومن متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد ، والصواب خلاف قولهما “ .

وقد يقال : إن الآية والحكم المستفاد منها متلازمان ; لأن الآية دليل على الحكم . فإذا نسخت الآية نسخ حكمها . وإلا وقع الناس في لبس .

ويجاب عن ذلك بأن هذا التلازم يسلم لو لم ينصب الشارع دليلا على نسخ التلاوة ، وعلى إبقاء الحكم ، أما وقد نصب الدليل على نسخ التلاوة وحدها ، وعلى إبقاء الحكم واستمراره فإن التلازم يكون باطلا ، وينتفي اللبس بهذا الدليل الشرعي الذي يدل على نسخ التلاوة مع بقاء الحكم .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية