الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 199 ] فصل في أنواع مختلف في عدها من المجاز وهي ستة: أحدها: الحذف، فالمشهور أنه من المجاز، وأنكره بعضهم، لأن المجاز استعمال اللفظ في غير موضعه، والحذف ليس كذلك. وقال ابن عطية: حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه، وليس كل حذف مجازا. وقال الفراء: في الحذف أربعة أقسام: قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد، نحو واسأل القرية ، أي أهلها، إذ لا يصح إسناد السؤال إليها. وقسم يصح بدونه، لكن يتوقف عليه شرعا كقوله: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر . أي فأفطر فعدة. وقسم يتوقف عليه عادة لا شرعا، نحو: اضرب بعصاك البحر فانفلق . أي فضربه. وقسم يدل عليه دليل غير شرعي ولا هو عادة، نحو: فقبضت قبضة من أثر الرسول ، دل الدليل على أنه إنما قبض قبضة من أثر حافر فرس الرسول. وليس في هذه الأقسام مجاز إلا الأول. وقال الزنجاني في المعيار: إنما يكون مجازا إذا تغير حكم، فأما إذا لم يتغير كحذف خبر المبتدأ المعطوف على جملة فليس مجازا، إذ لم يتغير حكم ما بقي من الكلام. وقال القزويني في الإيضاح: متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهو مجاز، نحو: واسأل القرية . ليس كمثله شيء . فإن [ ص: 200 ] كان الحذف والزيادة لا يوجب تغير الإعراب، نحو: أو كصيب من السماء ، فبما رحمة ، فلا توصف الكلمة بالمجاز. الثاني: التأكيد، زعم قوم أنه مجاز، لأنه لا يفيد إلا ما أفاده الأول. والصحيح أنه حقيقة. قال الطرطوسي في العمدة: ومن سماه مجازا قلنا له: إذا كان التأكيد بلفظ الأول، نحو: عجل عجل ونحوه، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول، لأنهما في لفظ واحد، إذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه، لأنه مثل الأول. الثالث: التشبيه: زعم قوم أنه مجاز، والصحيح أنه حقيقة. قال الزنجاني في " المعيار ": لأنه معنى من المعاني، وله ألفاظ تدل عليه وضعا فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه. وقال عز الدين: إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذف فهو مجاز بناء على أن الحذف من باب المجاز. الرابع: الكناية، وفيها أربعة مذاهب: أحدها: أنها حقيقة. قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر، لأنها استعملت فيما وضعت له، وأريد به الدلالة على غيره. الثاني: أنها مجاز. الثالث: أنها لا حقيقة ولا مجاز، وإليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها. الرابع: وهو اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز، فإن استعملت اللفظ في معناه مرادا منه لازم المعنى أيضا فهو حقيقة، وإن لم يرد المعنى، بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله في غير ما وضع له. [ ص: 201 ] والحاصل أن الحقيقة منها أن يستعمل اللفظ فيما وضع له ليفيد غير ما وضع له، والمجاز منها أن يريد بها غير موضوعها استعمالا وإفادة. الخامس: التقديم والتأخير: عده قوم من المجاز، لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول، وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل - نقل لكل واحد منهما عن رتبته وحقه. قال في البرهان: والصحيح أنه ليس منه، فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له. السادس: الالتفات، قال الشيخ بهاء الدين السبكي: لم أر من ذكر هل هو حقيقة أو مجاز. قال: وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد.

التالي السابق


الخدمات العلمية