الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ما ننسخ من آية أو ننسها ؛ في " ننسها " ؛ غير وجه قد قرئ به: " أو ننسها " ؛ و " ننسها " ؛ و " ننسأها " ؛ فأما " النسخ " ؛ في اللغة؛ فإبطال شيء؛ وإقامة آخر مقامه؛ العرب تقول: " نسخت الشمس الظل " ؛ والمعنى: أذهبت الظل؛ وحلت محله؛ وقال أهل اللغة في معنى " أو ننسها " ؛ قولين؛ قال بعضهم: " أو ننسها " ؛ من " النسيان " ؛ وقالوا: دليلنا على ذلك قوله - عز وجل -: سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ؛ فقد أعلم الله أنه يشاء أن ينسى؛ وهذا القول عندي ليس بجائز؛ لأن الله - عز وجل - قد أنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ؛ أنه لا يشاء أن يذهب بالذي أوحى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وفي قوله: فلا تنسى إلا ما شاء الله ؛ قولان يبطلان هذا القول الذي حكينا عن بعض أهل اللغة؛ أحدهما: " فلا تنسى " ؛ أي: لست تترك إلا ما شاء الله أن تترك؛ ويجوز أن يكون " إلا ما شاء الله " ؛ مما يلحق بالبشرية؛ ثم تذكر بعد؛ [ ص: 190 ] ليس أنه على طريق السلب للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا أوتيه من الحكمة؛ وقيل في " أو ننسها " ؛ قول آخر؛ وهو خطأ أيضا؛ قالوا: " أو نتركها " ؛ وهذا يقال فيه: " نسيت " ؛ إذا تركت؛ ولا يقال: " أنسيت " ؛ أي: تركت؛ وإنما معنى " أو ننسها " : " أو نتركها " ؛ أي: نأمر بتركها؛ فإن قال قائل: ما معنى تركها غير النسخ؟ وما الفارق بين الترك والنسخ؟ فالجواب في ذلك أن النسخ يأتي في الكتاب في نسخ الآية بآية؛ فتبطل الثانية العمل بالأولى؛ ومعنى الترك أن تأتي الآية بضرب من العمل؛ فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تأتي ناسخة للتي قبلها؛ نحو: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ؛ ثم أمر المسلمون بعد ذلك بترك المحنة؛ فهذا معنى الترك؛ ومعنى النسخ قد بيناه؛ فهذا هو الحق؛ ومن قرأ: " أو ننسأها " ؛ أراد: " نؤخرها " ؛ و " النسء " ؛ في اللغة: التأخير؛ يقال: " نسأ الله في أجله " ؛ و " أنسأ الله أجله " ؛ أي: أخر أجله؛ وقوله: نأت بخير منها ؛ المعنى بخير منها لكم؛ أو مثلها ؛ فأما ما يؤتى فيه بخير من المنسوخ فتمام الصيام؛ الذي نسخ الإباحة في الإفطار لمن استطاع الصيام؛ ودليل ذلك قوله: ولتكملوا العدة ؛ فهذا هو خير لنا؛ كما قال الله - عز وجل -؛ وأما قوله: أو مثلها ؛ أي: نأت بآية ثوابها كثواب التي قبلها؛ والفائدة في [ ص: 191 ] ذلك أن يكون الناسخ أسهل في المأخذ من المنسوخ؛ والإيمان به أسوغ؛ والناس إليه أسرع؛ نحو القبلة التي كانت على جهة؛ ثم أمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بجعل البيت قبلة المسلمين؛ وعدل بها عن القصد لبيت المقدس؛ فهذا - وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساويا في العمل؛ والثواب؛ فالذي أمر الله به في ذلك الوقت كان الأصلح؛ والأدعى للعرب؛ وغيرهم؛ إلى الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية