الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات [ 7 ] .

                                                                                                                                                                                                                                        هذه الآية كلها مشكلة ، وقد ذكرناها ، وسنزيدها شرحا - إن شاء الله - .

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : أحسن ما قيل في " المحكمات والمتشابهات " : إن المحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره ، نحو : ولم يكن له كفوا أحد وإني لغفار لمن تاب وآمن والمتشابهات نحو : إن الله يغفر الذنوب جميعا يرجع فيه إلى قوله : وإني لغفار لمن تاب وإلى قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به فأما ترك صرف " أخر " ؛ فلأنها معدولة عن الألف واللام ، وقد ذكرناه .

                                                                                                                                                                                                                                        فأما الذين في قلوبهم زيغ " الذين " في موضع رفع بالابتداء ، والخبر : فيتبعون ما تشابه منه ويقال : زاغ يزيغ زيغا ؛ إذا ترك القصد . ابتغاء الفتنة مفعول [ ص: 356 ] من أجله ، أي ابتغاء الاختبار الذي فيه غلو وإفساد ذات البين ، ومنه : فلان مفتون بفلانة ؛ أي قد غلا في حبها . ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون ) عطف على الله - جل وعز - ، هذا أحسن ما قيل فيه ؛ لأن الله - جل وعز - مدحهم بالرسوخ في العلم ، فكيف يمدحهم وهم جهال . قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أكثر من هذا الاحتجاج ، فأما القراءة المروية عن ابن عباس : ( وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم ) فمخالفة لمصحفنا ، وإن صحت فليس فيها حجة لمن قال الراسخون في العلم ويقول الراسخون في العلم آمنا بالله ؛ فأظهر ضمير الراسخين ليبين المعنى ، كما أنشد سيبويه :


                                                                                                                                                                                                                                        لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا



                                                                                                                                                                                                                                        فإن قال قائل : قد أشكل على الراسخين في العلم بعض تفسيره حتى ، قال ابن عباس : لا أدري ما الأواه ، وما غسلين ؟ فهذا لا يلزم ؛ لأن ابن عباس - رحمه الله - قد علم بعد ذلك وفسر ما وقف عنه . وجواب أقطع من هذا : إنما قال الله - عز [ ص: 357 ] وجل - : وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ولم يقل - جل وعز - : " وكل راسخ " ، فيجب هذا ، فإذا لم يعلمه أحدهم علمه الآخر . قال ابن كيسان : ويقال : " الراصخون " بالصاد لغة لأن بعدها خاء . ( يقولون ) في موضع نصب على الحال من الراسخين ، كما قال :


                                                                                                                                                                                                                                        الريح تبكي شجوه     والبرق يلمع في الغمامه



                                                                                                                                                                                                                                        ويجوز أن يكون " الراسخون في العلم " تمام الكلام ، ويكون " يقولون " مستأنفا .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية