الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 32 ] الكلام في أجرة المثل 1 - تجب في مواضع ; أحدها الإجارة في صور : منها الفاسدة ، ومنها : لو قال له المؤاجر بعد انقضاء المدة إن فرغتها اليوم وإلا فعليك كل شهر كذا ، وقيل : يجب المسمى . ومنها : لو قال مشتري العين للأجير اعمل كما كنت ولم يعلم بالأجر ، بخلاف ما إذا علم فإنه يجب . ومنها : لو عمل له شيئا ولم يستأجره وكان الصانع معروفا بتلك الصنعة وجب أجر المثل على قول محمد رحمه الله وبه يفتى .

                ومنها : في غصب المنافع إذا كان المغصوب مال يتيم أو وقفا أو معدا للاستغلال على المفتى به .

                وليس منها [ ص: 33 ] لما إذا خالف المستأجر المؤجر إلى شرط بأن حمل أكثر من المشروط فإنه لا يجب أجر ما زاد ; لأن الضمان والأجر لا يجتمعان . ومنها : إذا فسدت المساقاة والمزارعة كان للعامل أجر مثله . ومنها : إذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض زرع ، فإنه يترك بأجر المثل إلى أن يستحصده . ومنها : إذا فسدت المضاربة فللعامل أجر مثله إلا في مسألة ذكرناها في الفوائد .

                ومنها : عامل الزكاة يستحق أجر مثل عمله بقدر ما يكفيه ويكفي أعوانه . وفائدته أن المأخوذ أجره أنه لو لم يعمل ; بأن حمل أرباب الأموال أموالهم إلى الإمام ، فلا أجر له .

                ومنها : الناظر على الوقف ، إذا لم يشترط له الواقف ، فله أجر مثل عمله حتى لو كان الوقف طاحونة يستغلها الموقف عليهم ; فلا أجر له فيها كما في الخانية . وهذا إذا عين القاضي له أجرا . فإن لم يعين له وسعى فيه سنة فلا شيء له ، كذا في القنية ثم ذكر بعده أنه يستحق وإن لم يشترط له القاضي ، ولا يجتمع له أجر النظر والعمالة لو عمل مع العملة ( انتهى ) . ومنها : الوصي إذا نصبه القاضي وعين له أجرا بقدر أجرة مثله جاز .

                2 - وأما وصي الميت فلا أجر له على الصحيح كما في القنية . ومنها : القسام لو لم يستأجر بمعين فإنه يستحق أجر المثل . ومنها : [ ص: 34 ] يستحق القاضي على كتابة المحاضر والسجلات أجرة مثله

                [ ص: 30 - 32 ]

                التالي السابق


                [ ص: 30 - 32 ] قوله : تجب في مواضع . أقول يزاد عليها مواضع منها ما في التنوير : لو استأجر أرض وقف وغرس فيها ثم مضت مدة الإجارة فللمستأجر استيفاؤها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر ولو أبى الموقوف عليهم إلا القلع ليس لهم ذلك ومنها ما في التنوير أيضا : متولي أرض الوقف أجرها بغير أجر المثل يلزم مستأجرها تمام أجر المثل .

                ومنها وهي مسألة المتون : رفع ثوبا إلى خياط ليخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء ; خير الدافع إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أو أخذ القباء بأجر مثله ولم يزد على المسمى ، ومنها دفع غلامه إلى حائك مدة معلومة ليتعلم ولم يشترط على أخذ أجر فبعد تعلمه طلب الأستاذ من المولى والمولى منه ينظر إلى عرف البلد في ذلك العمل فإن كان العرف يشهد للأستاذ يحكم بأجر مثل تعليم ذلك العمل ، وإن كان يشهد للمولى فبأجر مثل الغلام على الأستاذ ، وكذا لو دفع ابنه إلى حائك كما في الدرر نقلا عن قاضي خان .

                ومنها ما في جامع الفصولين : باع أرضا بدون الزرع فهو للبائع بأجر مثله واستشكله المصنف في البحر بأنه يجب على البائع قطعه وتسليم الأرض فارغة . قال في النهر : وجوابه أنه محمول على ما إذا كان برضى المشتري [ ص: 33 ] قوله : وأما وصي الميت فلا أجر له على الصحيح .

                قيل : ذكر في الخانية والبزازية وكثير من الكتب أنه يستحقه فيكون هذا الصحيح خلاف الصحيح ; لأن الاستحسان هو المأخوذ به وأنت على علم بأن نقل القنية لا يعارض نقل قاضي خان . [ ص: 34 ] قوله : يستحق القاضي على كتابة المحاضر والسجلات أجرة مثله . أقول في حاوي الزاهدي : ولو أراد القاضي أو المفتي أن يأخذ شيئا على حكمه لا يجوز له ذلك إلا أن يؤاجر نفسه ممن له الحق يوما أو يومين ونحوهما مما يسع فيه مطالعة كتب الفقه إلى أن يجد مسألته ويكتب كتابا له يجعله في ديوانه وكتابه يجعله في يده ويفصل بينهما الخصومة بأجرة معلومة فحينئذ يجوز له أن يأخذ منه أجر المثل لفساد عقد الإجارة ولا يتجاوز عن المسمى ، ولكن يحترز أهل الورع عنه ، ولو أخذ أجر المثل للقسمة وكتابة الصك فقط يحل بلا حيلة إن لم يرزق من بيت المال ; لأنهما لم يجبا في ذمته من قبل بل الواجب بيان الحكم لمن عليه وبيان الحق لمن له فقط وعقد النكاح في الحكم كالقسمة وكتابة الصك ( انتهى ) .

                قال بعض الفضلاء : ومما يتعلق بذلك مسألة سئلت عنها لو سئل المفتي عما لا يمكنه أو عما يعسر عليه جوابه باللسان ولا يعسر عليه بالكتابة كمسائل المناسخات التي تدق كسورها جدا ولا تثبت في حفظ السائل هل يفرض عليه الكتابة مع تيسرها أم لا ؟ ولم أر من صرح بالحكم لكن النظر الفقهي يقتضي وجوب مطلق الجواب عليه بأي طريق أمكنه يقتضي وجوبها عليه حيث تعسر أو تعذر باللسان ويكون الجواب بالكتابة نائبا عن الجواب باللسان ليخرج عن عهدة [ ص: 35 ] الواجب عليه من الجواب اللساني فيكتب المفتي ما يتعذر عليه أو يتعسر النطق بلا كتابة حيث تيسرت له آلة الكتاب لأجل القيام بالواجب فيقرأ على السائل فيخرج عن العهدة ولا يجب عليه رفع الرقعة له ولا أنه يفهمه ما يشق عليه ويحفظه ما يصعب عليه بل كل ذلك خارج عن التكليف ولا يؤاخذ المفتي بسوء حفظ السائل وقلة فهمه . والحاصل أن على المفتي الجواب بأي طريق يتوصل به إليه .

                وكل ما لا يتوصل إلى الفرض إلا به فهو فرض وحيث كان في وسع المفتي الجواب بالكتابة لا باللسان وجب عليه الجواب بها حيث تيسرت آلتها بلا مشقة عليه بأن أحضرها له السائل ولا يلزم المفتي بدلها من عنده له ، ومقتضى القياس وجوب تحصيلها على المفتي كماء الوضوء ليحصل به ما هو المفروض عليه وهذا كله إذا تعين عليه الإفتاء ولم يكن في البلدة من يقوم مقامه في ذلك ; والإفتاء طاعة والطاعة بحسب الاستطاعة فما يراعي في غيره من الطاعات يراعي فيه فرضا ووجوبا واستحبابا وندبا فليتأمل فيه




                الخدمات العلمية