الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 137 ] ذكر من توفي في خلافة عمر رضي الله عنه مجملا

                                                                                      الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي .

                                                                                      أحد المؤلفة قلوبهم وأحد الأشراف ، أقطعه أبو بكر ، له ولعيينة بن بدر ، فعطل عليهما عمر ومحا الكتاب الذي كتب لهما أبو بكر ، وكانا من كبار قومهما ، وشهد الأقرع مع خالد حرب أهل العراق وكان على المقدمة .

                                                                                      وقيل : إن عبد الله بن عامر استعمله على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بالجوزجان وذلك في خلافة عثمان .

                                                                                      وقال ابن دريد : اسمه فراس بن حابس بن عقال ، ولقب الأقرع لقرع برأسه .

                                                                                      الحباب بن المنذر بن الجموح ، أبو عمرو الأنصاري ، أحد بني سلمة بن سعد ، وقيل : كنيته أبو عمر ، وكان يقال له ذو الرأي .

                                                                                      أشار يوم بدر على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل على آخر ماء ببدر ليبقى المشركون على غير ماء ، وهو الذي قال يوم سقيفة بني ساعدة :

                                                                                      أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب

                                                                                      منا أمير ومنكم أمير . والجذل : هو عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به . والعذق : النخلة ، والمرجب : أن تدعم النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لكثرة حملها أن تقع ، يقال : رجبتها فهي مرجبة . روى عنه : أبو الطفيل ، [ ص: 138 ] وتوفي بالمدينة في خلافة عمر .

                                                                                      علقمة بن علاثة بن عوف العامري الكلابي ، من المؤلفة قلوبهم .

                                                                                      أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أشراف قومه ، وكان يكون بتهامة ، وقد قدم دمشق قبل فتحها في طلب ميراث له ، ووفد على عمر في خلافته . روى عنه : أنس .

                                                                                      علقمة بن مجزز بن الأعور المدلجي .

                                                                                      استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض جيوشه ، وولاه الصديق حرب فلسطين ، وحضر الجابية مع عمر ، ثم سيره عمر في جيش إلى الحبشة في ثلاثمائة ، فغرقوا كلهم ، وقيل : كان ذلك في أيام عثمان بن عفان وأبوه مجزز هو المعروف بالقيافة .

                                                                                      عمرو بن عوف ، حليف بني عامر من لؤي ، من مولدي مكة ، سماه ابن إسحاق عمرا ، وسماه موسى بن عقبة عميرا . شهد بدرا وأحدا . وروى عنه المسور بن مخرمة حديث قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين . أخرجه البخاري ، وصلى عليه عمر رضي الله عنه .

                                                                                      عمارة بن الوليد ، أخو خالد بن الوليد المخزومي .

                                                                                      قال الواقدي : حدثني عبد الله بن جعفر ، عن ابن أبي عون ، قال : لما كان من أمر عمرو بن العاص ما كان بالحبشة ، وصنع النجاشي بعمارة بن الوليد ما صنع وأمر السواحر فنفخن في إحليله ، فهام مع الوحش ، فخرج إليه في خلافة عمر عبد الله بن أبي ربيعة ابن عمه فرصده على ماء بأرض الحبشة كان يرده فأقبل في حمر الوحش ، فلما وجد ريح [ ص: 139 ] الإنس هرب حتى إذا جهده العطش ورد فشرب ، قال عبد الله : فالتزمته فجعل يقول : يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكوني . وكان عبد الله يسمى بحيرا ، قال فضبطته فمات في يدي مكانه ، فواريته ثم انصرفت وكان شعره قد غطى كل شيء منه .

                                                                                      غيلان بن سلمة الثقفي :

                                                                                      له صحبة ورواية ، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة . وكان شاعرا محسنا ، وفد قبل الإسلام على كسرى فسأله أن يبني له حصنا في الطائف ، أسلم زمن الفتح ، روى عنه : ابنه عروة ، وبشر بن عاصم .

                                                                                      معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب الجمحي ، أخو حاطب وخطاب ، وأمهم قيلة أخت عثمان بن مظعون .

                                                                                      أسلم معمر قبل دخول دار الأرقم ، وهاجر ، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن عفراء ، وشهد بدرا .

                                                                                      ميسرة بن مسروق العنسي

                                                                                      شيخ صالح ، يقال : له صحبة شهد اليرموك ، وروى عن أبي عبيدة . وعنه أسلم مولى عمر . ودخل الروم أميرا على ستة آلاف ، فوغل فيها وقتل وسبى وغنم فجمعت له الروم ، وذلك في سنة عشرين ، ، فواقعهم ونصره الله عليهم ، وكانت وقعة عظيمة .

                                                                                      الهرمزان صاحب تستر .

                                                                                      قد مر من شأنه في سنة عشرين ، وهو من جملة الملوك الذين تحت يد يزدجرد .

                                                                                      [ ص: 140 ] قال ابن سعد : بعثه أبو موسى الأشعري إلى عمر ومعه اثنا عشر نفسا من العجم ، عليهم ثياب الديباج ومناطق الذهب وأساورة الذهب ، فقدموا بهم المدينة ، فعجب الناس من هيئتهم ، فدخلوا فوجدوا عمر في المسجد نائما متوسدا رداءه ، فقال الهرمزان : هذا ملككم ؟ قالوا : نعم ، قال : أما له حاجب ولا حارس ؟ قالوا : الله حارسه حتى يأتيه أجله ، قال : هذا الملك الهني .

                                                                                      فقال عمر : الحمد لله الذي أذل هذا وشيعته بالإسلام ، ثم قال للوفد : تكلموا . فقال أنس بن مالك : الحمد لله الذي أنجز وعده وأعز دينه وخذل من حاده ، وأورثنا أرضهم وديارهم ، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم ، فبكى عمر ثم قال للهرمزان : كيف رأيت صنيع الله بكم ؟ فلم يجبه ، قال : ما لك لا تتكلم ؟ قال : أكلام حي أم كلام ميت ؟ قال : أولست حيا ؟ فاستسقى الهرمزان ، فقال عمر : لا يجمع عليك القتل والعطش ، فأتوه بماء فأمسكه ، فقال عمر : اشرب لا بأس عليك ، فرمى بالإناء وقال : يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نتعبدكم ونقتلكم ، وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالا ، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة ، فأمر عمر بقتله ، فقال : أولم تؤمني ؟ قال : كيف ؟ قال : قلت لي : تكلم لا بأس عليك ، وقلت : اشرب لا أقتلك حتى تشربه ، فقال الزبير وأنس : صدق ، فقال عمر : قاتله الله أخذ أمانا وأنا لا أشعر ، فنزع ما كان عليه ، فقال عمر لسراقة بن مالك بن جعشم ، وكان أسود نحيفا : البس سواري الهرمزان ، فلبسهما ولبس كسوته .

                                                                                      فقال عمر : الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم وألبسها سراقة ، ثم دعا الهرمزان إلى إسلام فأبى ، فقال علي بن أبي طالب : يا أمير المؤمنين فرق بين هؤلاء . فحمل عمر الهرمزان وجفينة وغيرهما في البحر ، وقال : اللهم اكسر بهم ، وأراد أن يسير بهم إلى [ ص: 141 ] الشام فكسر بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا ، وفرض لهم عمر في ألفين ألفين ، وسمى الهرمزان عرفطة .

                                                                                      قال المسور بن مخرمة : رأيت الهرمزان بالروحاء مهلا بالحج مع عمر .

                                                                                      وروى إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : رأيت الهرمزان مهلا بالحج مع عمر ، وعليه حلة حبرة .

                                                                                      وقال علي بن زيد بن جدعان ، عن أنس ، قال : ما رأيت رجلا أخمص بطنا ولا أبعد ما بين المنكبين من الهرمزان .

                                                                                      عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن عبد الرحمن بن أبي بكر - ولم تجرب عليه كذبة قط - قال : انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجي فتبعتهم ، وسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه ، فقال عبد الرحمن : فانظروا بما قتل عمر ، فنظروا بما قتل عمر ، فنظروا فوجدوه خنجرا على تلك الصفة ، فخرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان ، فقال : اصحبني ننظر فرسا لي - وكان بصيرا بالخيل - فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف ، فلما وجد حد السيف قال : لا إله إلا الله فقتله . ثم أتى جفينة وكان نصرانيا ، فلما أشرف له علاه بالسيف فصلب بين عينيه . ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها ، وأظلمت الأرض يومئذ على أهلها ، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول : والله لا أترك في المدينة سبيا إلا قتلته وغيرهم ، كأنه يعرض بناس من المهاجرين ، فجعلوا يقولون له : ألق السيف ، فأبى ، ويهابونه أن يقربوا منه ، حتى أتاه عمرو بن العاص ، فقال : أعطني السيف يا ابن أخي . فأعطاه إياه . ثم ثار إليه عثمان فأخذ [ ص: 142 ] برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما ، فلما ولي عثمان ، قال : أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق ، فأشار المهاجرون بقتله ، وقال جماعة الناس : قتل عمر بالأمس ويتبعونه ابنه اليوم ، أبعد الله الهرمزان وجفينة ، فقال عمرو : إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر في ولايتك فاصفح عنه ، فتفرق الناس على قول عمرو ، وودى عثمان الرجلين والجارية .

                                                                                      رواه ابن سعد عن الواقدي عن معمر ، وزاد فيه : كان جفينة من نصارى الحيرة وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص يعلم الناس الخط بالمدينة ، وقال فيه : وما أحسب عمرا كان يومئذ بالمدينة بل بمصر إلا أن يكون قد حج ، قال : وأظلمت الأرض فعظم ذلك في النفوس وأشفقوا أن تكون عقوبة .

                                                                                      وعن أبي وجزة ، عن أبيه ، قال : رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان ، وعثمان يقول له : قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة وآخر له ذمة ، ما في الحق تركك . وبقي عبيد الله بن عمر وقتل يوم صفين مع معاوية .

                                                                                      معمر ، عن الزهري : أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر ، أن أباه قال : يرحم الله حفصة إن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة .

                                                                                      قال معمر : بلغنا أن عثمان قال : أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية ، وإني قد جعلتها دية . وذكر محمد بن جرير الطبري بإسناد له أن عثمان أقاد ولد [ ص: 143 ] الهرمزان من عبيد الله ، فعفا ولد الهرمزان عنه .

                                                                                      هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمية ، أم معاوية بن أبي سفيان .

                                                                                      أسلمت زمن الفتح ، وشهدت اليرموك . وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطى ما يكفيني وولدي ، قال : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " .

                                                                                      وكان زوجها قبل أبي سفيان حفص بن المغيرة عم خالد بن الوليد ، وكان من الجاهلية . وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهن ، ثم إن أبا سفيان طلقها في آخر الأمر ، فاستقرضت من عمر من بيت المال أربعة آلاف درهم ، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت . وأتت ابنها معاوية وهو أمير على الشام لعمر ، فقالت : أي بني إنه عمر وإنما يعمل لله . لها شعر جيد .

                                                                                      واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز الحنظلي اليربوعي ، حليف بني عدي ، من السابقين الأولين ، أسلم قبل دار الأرقم ، وشهد بدرا والمشاهد كلها ، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء بن معرور ، وكان واقد في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة فقتل واقد عمرو بن الحضرمي ، فكانا أول قاتل ومقتول في الإسلام . وتوفي واقد في خلافة عمر .

                                                                                      أبو خراش الهذلي الشاعر ، اسمه خويلد بن مرة ، من بني قرد بن عمرو الهذلي .

                                                                                      وكان أبو خراش ممن يعدو على قدميه فيسبق الخيل ، وكان في الجاهلية من فتاك العرب ثم أسلم .

                                                                                      [ ص: 144 ] قال ابن عبد البر : لم يبق عربي بعد حنين والطائف إلا أسلم ، فمنهم من قدم ومنهم من لم يقدم ، وأسلم أبو خراش وحسن إسلامه ، وتوفي زمن عمر ، أتاه حجاج فمشى إلى الماء ليملأ لهم فنهشته حية ، فأقبل مسرعا فأعطاهم الماء وشاة وقدرا ، ولم يعلمهم بما تم له ، ثم أصبح وهو في الموت ، فلم يبرحوا حتى دفنوه .

                                                                                      أبو ليلى المازني ، واسمه عبد الرحمن بن كعب بن عمرو .

                                                                                      شهد أحدا وما بعدها ، وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم : تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون [ التوبة ] .

                                                                                      أبو محجن الثقفي :

                                                                                      في اسمه أقوال ، قدم مع وفد ثقيف فأسلم ، ولا رواية له ، وكان فارس ثقيف في زمانه إلا أنه كان يدمن الخمر زمانا ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يستعين به ، وقد جلد مرارا ، حتى إن عمر نفاه إلى جزيرة ، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية ، فكتب عمر إلى سعد فحبسه . فلما كان يوم قس الناطف ، والتحم القتال سأل أبو محجن من امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرسا لسعد ، وعاهدها إن سلم أن يعود إلى القيد ، فحلته وأعطته فرسا فقاتل وأبلى بلاء جميلا ثم عاد إلى قيده .

                                                                                      قال ابن جريج : بلغني أنه حد في الخمر سبع مرات .

                                                                                      وقال أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر ، فلما أكثر سجنوه ، فلما كان يوم القادسية رآهم فكلم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرسا وسلاحا ، فجعل لا يزال يحمل على رجل [ ص: 145 ] فيقتله ويدق صلبه ، فنظر إليه سعد فبقي يتعجب ويقول : من الفارس ؟ فلم يلبثوا أن هزمهم ورجع أبو محجن وتقيد ، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول : لقينا ولقينا ، حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائله . قالت : والله إنه لأبو محجن ، وحكت له ، فدعا به وحل قيوده ، وقال : لا نجلدك على خمر أبدا ، فقال : وأنا والله لا أشربها أبدا ، كنت آنف أن أدعها لجلدكم ، فلم يشربها بعد .

                                                                                      روى نحوه أبو معاوية الضرير ، عن عمرو بن مهاجر ، عن إبراهيم بن محمد بن سعد ، عن أبيه قال : لما كان يوم القادسية أتي بأبي محجن سكران فقيده سعد ، وذكر الحديث .

                                                                                      ونقل أهل الأخبار أن أبا محجن هو القائل :

                                                                                      إذا مت فادفني إلى جنب كرمة     تروي عظامي بعد موتي عروقها
                                                                                      ولا تدفنني بالفلاة فإنني     أخاف إذا ما مت ألا أذوقها

                                                                                      فزعم الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان - أو قال : في نواحي جرجان وقد نبتت عليه كرمة وظللت وأثمرت ، فعجب الرجل وتذكر شعره .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية