الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 240 ] [ ص: 241 ] الضحاك بن قيس ( س )

                                                                                      ابن خالد ، الأمير أبو أمية ، وقيل : أبو أنيس . وقيل : أبو عبد الرحمن . وقيل : أبو سعيد ، الفهري القرشي .

                                                                                      عداده في صغار الصحابة ، وله أحاديث .

                                                                                      خرج له النسائي ، وقد روى عن حبيب بن مسلمة أيضا .

                                                                                      حدث عنه ، معاوية بن أبي سفيان ووصفه بالعدالة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، ومحمد بن سويد الفهري ، وعمير بن سعد ، وسماك بن حرب ، وأبو إسحاق السبيعي .

                                                                                      قال أبو القاسم بن عساكر شهد فتح دمشق ، وسكنها . وكان على عسكر دمشق يوم صفين .

                                                                                      حجاج بن محمد : عن ابن جريج ، حدثني محمد بن طلحة ، عن [ ص: 242 ] معاوية ، أنه قال على المنبر : حدثني الضحاك بن قيس وهو عدل على نفسه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يزال وال من قريش على الناس .

                                                                                      وقال علي بن جدعان : عن الحسن ، أن الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم - حين مات يزيد - أما بعد : فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الدخان ، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، وإن يزيد قد مات ، وأنتم إخواننا ، فلا تسبقونا بشيء حتى نختار لأنفسنا .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : كان الضحاك بن قيس مع معاوية ، فولاه الكوفة وهو الذي صلى على معاوية ، وقام بخلافته حتى قدم يزيد ، ثم بعده دعا إلى ابن الزبير ، وبايع له ، ثم دعا إلى نفسه . وفي بيت أخته فاطمة اجتمع أهل الشورى ، وكانت نبيلة .

                                                                                      وذكره مسلم أنه بدري ، فغلط .

                                                                                      وقال شباب مات زياد بن أبيه سنة ثلاث وخمسين بالكوفة ، فولاها معاوية الضحاك ، ثم صرفه وولاه دمشق ، وولى الكوفة ابن أم الحكم . فبقي الضحاك على دمشق حتى هلك يزيد .

                                                                                      وقيل : إن الضحاك خطب بالكوفة قاعدا .

                                                                                      وكان جوادا لبس بردا تساوي ثلاثمائة دينار ، فساومه رجل به ، فوهبه له ، وقال : شح بالمرء أن يبيع عطافه .

                                                                                      [ ص: 243 ] قال الليث : أظهر الضحاك بيعة ابن الزبير بدمشق ودعا له ، فسار عامة بني أمية وحشمهم ، فلحقوا بالأردن ، وسار مروان وبنو بحدل إلى الضحاك .

                                                                                      ابن سعد : أخبرنا المدائني ; عن خالد بن يزيد ، عن أبيه ، وعن مسلمة بن محارب ، عن حرب بن خالد وغيره ; أن معاوية بن يزيد لما مات ، دعا النعمان بن بشير بحمص إلى ابن الزبير ، ودعا زفر بن الحارث أمير قنسرين إلى ابن الزبير ، ودعا إليه بدمشق الضحاك سرا لمكان بني أمية وبني كلب . وبلغ حسان بن بحدل وهو بفلسطين وكان هواه في خالد بن يزيد . فكتب إلى الضحاك يعظم حق بني أمية ، ويذم ابن الزبير ، وقال للرسول : إن قرأ الكتاب وإلا فاقرأه على الناس ، وكتب إلى بني أمية . فلم يقرأ الضحاك كتابه ، فكان في ذلك اختلاف ، فسكتهم خالد بن يزيد ، ودخل الضحاك داره أياما ، ثم صلى بالناس ، وذكر يزيد فشتمه ، فقام رجل من كلب فضربه بعصا فاقتتل الناس بالسيوف ، ودخل الضحاك دار الإمارة فلم يخرج وتفرق الناس ; ففرقة زبيرية ، وأخرى بحدلية وفرقة لا يبالون . ثم أرادوا أن يبايعوا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فأبى ، ثم توفي .

                                                                                      وطلب الضحاك مروان ، فأتاه هو وعمه ، والأشدق ، وخالد بن يزيد ، وأخوه ، فاعتذر إليهم ، وقال : اكتبوا إلى ابن بحدل حتى ينزل الجابية ، ونسير إليه ، ويستخلف أحدكم ، فقدم ابن بحدل ، وسار الضحاك وبنو أمية يريدون الجابية . فلما استقلت الرايات موجهة ، قال معن بن ثور والقيسية للضحاك : دعوت إلى بيعة رجل أحزم الناس رأيا وفضلا وبأسا ، [ ص: 244 ] فلما أجبناك ، سرت إلى هذا الأعرابي تبايع لابن أخته ! قال : فما العمل ؟ قالوا : تصرف الرايات ، وتنزل فتظهر البيعة لابن الزبير ، ففعل ، وتبعه الناس . فكتب ابن الزبير إليه بإمرة الشام ، وطرد الأموية من الحجاز .

                                                                                      وخاف مروان ، فسار إلى ابن الزبير ليبايع ، فلقيه بأذرعات عبيد الله بن زياد مقبلا من العراق ، فقال : أنت شيخ بني عبد مناف ، سبحان الله ، أرضيت أن تبايع أبا خبيب ولأنت أولى . قال : فما ترى ؟ قال : ادع إلى نفسك ، وأنا أكفيك قريشا ومواليها . فرجع ، ونزل بباب الفراديس . وبقي يركب إلى الضحاك كل يوم ، فيسلم عليه ، ويرجع إلى منزله ، فطعنه رجل بحربة في ظهره ، وعليه درع ، فأثبت الحربة ، فرد إلى منزله ، وعاده الضحاك ، وأتاه بالرجل ، فعفا عنه . ثم قال للضحاك : يا أبا أنيس ! العجب لك وأنت شيخ قريش ، تدعو لابن الزبير ، وأنت أرضى منه ! لأنك لم تزل متمسكا بالطاعة ، وهو ففارق الجماعة . فأصغى إليه ، ودعا إلى نفسه ثلاثة أيام ، فقالوا : أخذت عهودنا وبيعتنا لرجل ، ثم تدعو إلى خلعه من غير حدث ! وأبوا فعاود الدعاء لابن الزبير ، فأفسده ذلك عند الناس .

                                                                                      فقال له ابن زياد : من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون ، بل يبرز ويجمع إليه الخيل ، فاخرج وضم الأجناد ، ففعل ، ونزل المرج فانضم إلى مروان وابن زياد جمع . وتزوج مروان بوالدة خالد بن يزيد ، وهي ابنة هاشم بن عتبة بن ربيعة ، وانضم إليهم عباد بن زياد في مواليه ، وانضم إلى الضحاك زفر بن الحارث الكلابي أمير قنسرين ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، فصار في ثلاثين ألفا ، ومروان في ثلاثة عشر ألفا أكثرهم رجالة . وقيل : لم يكن مع مروان سوى ثمانين فرسا ، فالتقوا بالمرج أياما ، فقال ابن زياد : [ ص: 245 ] لا تنال من هذا إلا بمكيدة ، فادع إلى الموادعة ، فإذا أمن ، فكر عليهم . فراسله فأمسكوا عن الحرب . ثم شد مروان بجمعه على الضحاك ، ونادى الناس : يا أبا أنيس ! أعجزا بعد كيس ؟ فقال الضحاك : نعم لعمري ، والتحم الحرب ، وقتل الضحاك ، وصبرت قيس ، ثم انهزموا ، فنادى منادي مروان : لا تتبعوا موليا .

                                                                                      قال الواقدي : قتلت قيس بمرج راهط مقتلة لم تقتلها قط في نصف ذي الحجة سنة أربع وستين .

                                                                                      وقيل : إن مروان لما أتي برأس الضحاك ، كره قتله ، وقال : الآن حين كبرت سني ، واقترب أجلي ، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض ؟

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية