الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن عدي : حدثنا عبد المؤمن بن أحمد الجرجاني ، سمعت عمار بن رجاء ، سمعت أحمد بن حنبل ، يقول طلب إسناد العلو من السنة . [ ص: 312 ]

                                                                                      الخلال : حدثنا المروذي : قلت لأبي عبد الله : قال لي رجل : من هنا إلى بلاد الترك يدعون لك ، فكيف تؤدي شكر ما أنعم الله عليك ، وما بث لك في الناس ؟ فقال : أسأل الله أن لا يجعلنا مرائين .

                                                                                      أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، ويوسف بن أحمد ، قالا : أخبرنا موسى بن عبد القادر ، أخبرنا سعيد بن البناء ، أخبرنا علي بن البسري ، أخبرنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا عبد الله البغوي ، قال : سمعت أحمد بن حنبل في سنة ثمان وعشرين ومائتين في أولها ، وقد حدث حديث معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة فأعدوا للبلاء صبرا ، فجعل يقول : اللهم رضنا ، اللهم رضنا .

                                                                                      أخبرنا المسلم بن علان وغيره كتابة أن أبا اليمن الكندي أخبرهم ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثنا محمد بن الفرج البزاز ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسي ، حدثنا جعفر بن شعيب الشاشي ، حدثني محمد بن يوسف الشاشي ، حدثني إبراهيم بن أمية ، سمعت طاهر بن خلف ، سمعت المهتدي بالله محمد بن الواثق يقول : [ ص: 313 ] كان أبي إذا أراد أن يقتل أحدا ، أحضرنا ، فأتي بشيخ مخضوب مقيد ، فقال أبي : ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه ، يعني : ابن أبي دواد ، قال : فأدخل الشيخ ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : لا سلم الله عليك . فقال : يا أمير المؤمنين ، بئس ما أدبك مؤدبك ، قال الله تعالى : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها فقال ابن أبي دواد : الرجل متكلم .

                                                                                      قال له : كلمه ، فقال : يا شيخ ، ما تقول في القرآن ؟ قال : لم ينصفني ، ولي السؤال . قال : سل ، قال : ما تقول في القرآن ؟ قال : مخلوق . قال الشيخ : هذا شيء علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعمر ، والخلفاء الراشدون ، أم شيء لم يعلموه ؟ قال : شيء لم يعلموه . فقال : سبحان الله ! شيء لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - علمته أنت ؟ فخجل . فقال : أقلني ، قال : المسألة بحالها . قال : نعم علموه ، فقال : علموه ، ولم يدعوا الناس إليه ، قال : نعم . قال : أفلا وسعك ما وسعهم ؟ قال : فقام أبي ، فدخل مجلسا ، واستلقى ، وهو يقول : شيء لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولا الخلفاء الراشدون ، علمته أنت ! سبحان الله ! شيء علموه ، ولم يدعوا الناس إليه ، أفلا وسعك ما وسعهم ؟ ! ثم أمر برفع قيوده ، وأن يعطى أربعمائة دينار ، ويؤذن له في الرجوع ، وسقط من عينه ابن أبي دواد ولم يمتحن بعدها أحدا .

                                                                                      هذه قصة مليحة ، وإن كان في طريقها من يجهل ولها شاهد .

                                                                                      وبإسنادنا إلى الخطيب : أخبرنا ابن رزقويه ، أخبرنا أحمد بن سندي الحداد ، أخبرنا أحمد بن الممتنع ، أخبرنا صالح بن علي الهاشمي ، قال : حضرت المهتدي بالله ، وجلس لينظر في أمور المظلومين ، فنظرت في [ ص: 314 ] القصص تقرأ عليه من أولها إلى آخرها ، فيأمر بالتوقيع فيها ، وتحرر ، وتدفع إلى صاحبها ، فيسرني ذلك ، فجعلت أنظر إليه ففطن ، ونظر إلي ، فغضضت عنه ، حتى كان ذلك مني ومنه مرارا . فقال : يا صالح ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، ووثبت . فقال : في نفسك شيء تريد أن تقوله ؟ ! قلت : نعم . فقال : عد إلى موضعك . فلما قام ، خلا بي ، وقال : يا صالح ، تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، ما تأمر ؟ .

                                                                                      قال : أقول : إنه دار في نفسك أنك استحسنت ما رأيت منا ، فقلت : أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول : القرآن مخلوق - فورد علي أمر عظيم - ثم قلت : يا نفس ، هل تموتين قبل أجلك ؟ فقلت : ما دار في نفسي إلا ما قلت . فأطرق مليا ، ثم قال : ويحك ! اسمع ، فوالله لتسمعن الحق ، فسري عني ، فقلت : يا سيدي ، ومن أولى بقول الحق منك ، وأنت خليفة رب العالمين . قال : ما زلت أقول : إن القرآن مخلوق صدرا من أيام الواثق ، قلت : كان صغيرا أيام الواثق . والحكاية فمنكرة ، ثم قال : حتى أقدم أحمد بن أبي دواد علينا شيخا من أذنه ، فأدخل على الواثق مقيدا ، فرأيته استحيا منه ، ورق له ، وقربه ، فسلم ودعا ، فقال : يا شيخ ، ناظر ابن أبي دواد .

                                                                                      فقال : يا أمير المؤمنين ، نصبوا ابن أبي دواد ، ويضعف عن المناظرة . فغضب الواثق ، وقال : أيضعف عن مناظرتك أنت ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هون عليك ، فائذن لي في مناظرته ; فإن رأيت أن تحفظ علي وعليه . قال : أفعل . فقال الشيخ : يا أحمد ، أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة ، داخلة في عقد الدين ، فلا يكون الدين كاملا حتى تقال فيه ؟ قال : نعم . قال : فأخبرني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بعث ، هل ستر شيئا مما أمره الله به من أمر دينهم ؟ قال : لا ، قال : فدعا الأمة إلى مقالتك هذه ؟ فسكت ، فالتفت الشيخ إلى الواثق ، وقال : يا أمير المؤمنين ، واحدة . قال : [ ص: 315 ] نعم . فقال الشيخ : فأخبرني عن الله حين قال : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي هل كان الصادق في إكمال دينه ، أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال بمقالتك هذه ؟ فسكت .

                                                                                      فقال : أجب ، فلم يجب . فقال : يا أمير المؤمنين ، اثنتان . ثم قال : يا أحمد ، أخبرني عن مقالتك ، أعلمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ قال : علمها . قال : فدعا الناس إليها ؟ فسكت . فقال : يا أمير المؤمنين ، ثلاث .

                                                                                      ثم قال : يا أحمد ، فاتسع لرسول الله أن يعلمها وأمسك عنها كما زعمت ، ولم يطالب أمته بها ؟ قال : نعم . قال : واتسع ذلك لأبي بكر وعمر ؟ قال : نعم . فأعرض الشيخ ، وقال : يا أمير المؤمنين ، قد قدمت أنه يضعف عن المناظرة . إن لم يتسع لنا الإمساك عنها ، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم .

                                                                                      فقال الواثق : نعم ، اقطعوا قيد الشيخ . فلما قطع ، ضرب بيده إلى القيد ليأخذه ، فجاذبه الحداد عليه . فقال الواثق : لم أخذته ؟ قال : لأني نويت أن أوصي أن يجعل في كفني حتى أخاصم به هذا الظالم غدا . وبكى ، فبكى الواثق وبكينا . ثم سأله الواثق أن يجعله في حل ، فقال : لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونك من أهله . فقال له : أقم قبلنا فننتفع بك ، وتنتفع بنا ، قال : إن ردك إياي إلى موضعي أنفع لك ، أصير إلى أهلي وولدي ، فأكف دعاءهم عليك ، فقد خلفتهم على ذلك ، قال : فتقبل منا صلة ؟ قال : لا تحل لي ، أنا عنها غني .

                                                                                      قال المهتدي : فرجعت عن هذه المقالة ، وأظن أن أبي رجع عنها منذ ذلك الوقت . [ ص: 316 ] قال أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ : هذا الأذني هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي .

                                                                                      قال إبراهيم نفطويه : حدثني حامد بن العباس ، عن رجل ، عن المهتدي : أن الواثق مات ، وقد تاب عن القول بخلق القرآن .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية