الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا خالد بن يزيد العمري قال : سمعت وهيب بن الورد ، يقول : كان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات :

              [

              يرى مستكينا وهو للهو ماقت به عن حديث القوم ما هو شاغله     وأزعجه علم عن الجهل كله
              وما عالم شيئا كمن هو جاهله     عبوس عن الجهال حين يراهم
              فليس له منهم خدين يهازله     تذكر ما يبقى من العيش آجلا
              فأشغله عن عاجل العيش آجله



              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا ابن أبي عائشة [ ص: 319 ] قال : كان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات ] :


              فما تزود مما كان يجمعه     إلا حنوطا غداة البين مع خرق
              وغير نفحة أعواد تشب له     وقل ذلك من زاد لمنطلق



              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة ، ثنا أبي ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عاصم بن رجاء بن حيوة ، عن أبيه قال : ذكر عمر بن عبد العزيز الموت يوما ، فقال يتمثل :


              ألم تر أن الموت أدرك من مضى     فلم ينج منه ذو جناح ولا ظفر



              ثم دعا بسبعة دنانير فتصدق بها ، ثم قال : نستقرض على الله حتى يأتي العطاء .

              حدثنا الحسن بن أنس الأنصاري ، ثنا أحمد بن حمدان العسكري ، ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، ثنا جرير ، عن حمزة الزيات قال : كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذين البيتين :


              نهارك يا مغرور سهو وغفلة     وليلك نوم والردى لك لازم
              وتنصب فيما سوف تكره غبه     كذلك في الدنيا تعيش البهائم



              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن يزيد البغدادي ، عن سعيد بن يونس العطاردي ، ثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين :


              نهارك يا مغرور سهو وغفلة     وليلك نوم والردى لك لازم
              وتشغل فيما سوف تكره غبه     كذلك في الدنيا تعيش البهائم



              ثم يتلوها بآيتين : ( أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن نصر بن حميد البزاز البغدادي ، ثنا محمد بن قدامة الجوهري ، ثنا سعيد بن محمد الوراق قال : سمعت القاسم بن غزوان قال : كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات :


              أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم     وكيف يطيق النوم حيران هائم
              [ ص: 320 ] فلو كنت يقظان الغداة لخرقت     محاجر عينيك الدموع السواجم
              بل أصبحت في النوم الطويل وقد دنت     إليك أمور مفظعات عظائم
              نهارك يا مغرور سهو وغفلة     وليلك نوم والردى لك لازم
              يغرك ما يبلى وتشغل بالهوى     كما غر باللذات في النوم حالم
              وتشغل فيما سوف تكره غبه     كذلك في الدنيا تعيش البهائم



              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، ثنا محمد بن الحسين ، عن بعض أصحابه قال : قال عمر بن عبد العزيز :

              إنما الناس ظاعن ومقيم     فالذي بان للمقيم عظه
              ومن الناس من يعيش شقيا     جيفة الليل غافل اليقظه
              فإذا كان ذا حياء ودين     راقب الموت واتقى الحفظه



              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا سهل بن محمود ، ثنا حرملة بن عبد العزيز ، حدثني أبي ، عن ابن لعمر بن عبد العزيز قال : أمرنا أن نشتري موضع قبره فاشتريناه من الراهب ، قال : فقال الشاعر :


              أقول لما نعى الناعون لي عمرا     لا يبعدن قوام العدل والدين
              قد غادر القوم في اللحد الذي لحدوا     بدير سمعان قسطاس الموازين



              أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم - في كتابه - ثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثنا عثمان بن طالوت بن عباد ، ثنا الأصمعي ، عن نافع بن أبي نعيم قال : رثى رجل من موالي أهل المدينة عمر بن عبد العزيز :


              قد غيب الدافنون اللحد إذ دفنوا     بدير سمعان جربان الموازين
              من لم يكن همه عينا يفجرها     ولا النخيل ولا ركض البراذين



              أخبرنا أحمد بن القاسم بن سوار في كتابه قال : أنشدنا مسبح بن حاتم قال : أنشدنا ابن عائشة يرثي عمر بن عبد العزيز :


              أقول لما نعى الناعون لي عمرا     لا يبعدن قوام الحق والدين

              [ ص: 321 ]

              لم تلهه عمره عين يفجرها     ولا النخيل ولا ركض البراذين
              قد غيب الرامسون اليوم إذ رمسوا     بدير سمعان قسطاس الموازين

              .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، ثنا سليمان بن صالح ، ثنا عبد الله بن المبارك قال : قال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي في عمر بن عبد العزيز :


              هو المرء لا يبدي أسى من مصيبة     ولا فرحا يوما إذا النفس سرت
              قليل الألايا حافظ ليمينه     فإن بدرت منه الألية برت

              .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا الحسين بن محمد بن حماد ، ثنا عمرو بن عثمان ، ثنا خالد بن يزيد ، عن جعونة ، قال : قال جرير حين مات عمر بن عبد العزيز :


              تنعى النعاة أمير المؤمنين لنا     يا خير من حج بيت الله واعتمرا
              حملت أمرا عظيما فاضطلعت به     وسرت فيهم بحكم الله يا عمرا
              الشمس كاسفة ليست بطالعة     تبكي عليك ، نجوم الليل والقمرا

              .

              حدثنا أبو بكر الطلحي ، ثنا أحمد بن حماد بن سفيان ، ح وحدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق قالا : ثنا أبو الأشعث ، ثنا عمرو بن صالح الزهري ، حدثني الثقة قال : " لما بلغ محارب بن دثار موت عمر بن عبد العزيز دعا بكاتبه ، فقال : اكتب فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : امحه ، فإن الشعر لا يكتب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال :


              لو أعظم الموت خلقا أن يواقعه     لعدله لم يصبك الموت يا عمر
              كم من شريعة حق قد نعشت لهم     كادت تموت وأخرى منك تنتظر
              يا لهف نفسي ولهف الواجدين معي     على العدول التي تغتالها الحفر
              ثلاثة ما رأت عيني لهم شبها     تضم أعظمهم في المسجد الحفر
              وأنت تتبعهم لا زلت مجتهدا     سقيا لها سنن بالحق تقتفر
              لو كنت أملك والأقدار غالبة     تأتي رواحا وتبيانا وتبتكر
              صرفت عن عمر الخيرات مصرعه     بدير سمعان لكن يغلب القدر

              .

              حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا هاشم بن الوليد ، [ ص: 322 ] ثنا أبو بكر بن عياش قال : قال الفرزدق لما مات عمر بن عبد العزيز :


              كم من شريعة حق قد شرعت لهم     كانت أميتت وأخرى منك تنتظر
              يا لهف نفسي ولهف اللاهفين معي     على العدول التي تغتالها الحفر

              .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا الحسين بن محمد بن حماد ، ثنا عمرو بن عثمان ، ثنا خالد بن يزيد ، عن جعونة قال : كان لا يقوم أحد من بني أمية إلا سب عليا ، فلم يسبه عمر بن عبد العزيز ، فقال كثير عزة :


              وليت فلم تشتم عليا ولم تخف     بريا ولم تتبع سجية مجرم
              وقلت فصدقت الذي قلت بالذي     فعلت فأضحى راضيا كل مسلم

              .

              حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان ، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، ثنا إبراهيم بن حمزة ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبيد الله بن عمر قال : دخلت ابنة عبد الله بن زيد على عمر بن عبد العزيز فقالت : يا أمير المؤمنين ، أنا بنت عبد الله بن زيد ، أبي شهد بدرا ، وقتل يوم أحد ، فقال عمر :


              تلك المكارم لا قعبان من لبن     شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

              .

              سليني ما شئت ، فسألت فأعطاها ما سألت .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية