الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6530 [ ص: 540 ] 5 – باب:

                                                                                                                                                                                                                              6929 - حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال : حدثني شقيق قال : قال عبد الله : كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . [ انظر : 3477 - مسلم : 1792 - فتح 12 \ 282 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عمر بن حفص ، ثنا أبي ، ثنا الأعمش ثنا شقيق قال : قال عبد الله - رضي الله عنه - : كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : ( اللهم ) اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

                                                                                                                                                                                                                              وابن بطال وابن التين أدخلاه في الباب قبله ، وقالا : حديث ابن مسعود في الذين أدموا نبيهم وضربوه كانوا كفارا ، والأنبياء - عليهم أفضل الصلاة والسلام - شأنهم الصبر على الأذى وكذلك أمروا ، قال تعالى لنبيه : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [ الأحقاف : 35 ] فلا حجة للكوفيين فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر القرطبي أنه - عليه السلام - هو الحاكي وهو المحكي عنه وكأنه أوحي إليه بذلك قبل وقوع قصة أحد ، ولم يعين له ذلك الشيء ، فلما وقع له ذلك تعين أنه المعني بذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف طرق منه في ذكر بني إسرائيل أخبرنا المسند المعمر أبو المحاسن يوسف الدلاصي ، أنا ابن تامتيت ، أنا ابن الصائغ ، عن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 541 ] القاضي عياض قال : لا نعلم خلافا في استباحة ( دم ) من ( سب ) بين علماء الأمصار وسلف الأمة ، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره . وأشار ابن حزم إلى الخلاف في تكفير المستخف به ، والمعروف ما قدمناه . قال ابن سحنون : أجمع العلماء أن شاتمه والمنتقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله تعالى ، وحكمه عند الأمة القتل ، ومن شك في كفره وعذابه كفر . واحتج إبراهيم بن ( الحسين ) الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحبكم .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قتله له كان على غير هذا ، كما ذكر الواقدي وسيف ( . .) والحاكم . وقال الخطابي : لا أعلم أحدا من السلف اختلف في وجوب قتله إذا كان مسلما .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن وهب عن مالك : من قال : إن رداءه - ويروى : زره - وسخ ، وأراد به عيبه ، قتل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعض علمائنا : أجمع العلماء على أن من دعا على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة ، وأفتى

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 542 ] القابسي فيمن قال في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمال يتيم أبي طالب بقتله .

                                                                                                                                                                                                                              وأفتى ابن أبي زيد بقتل رجل سمع قوما يتذاكرون صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية ، فقال لهم : تريدون تعرفون صفة محمد ( هو في ) صفة هذا المار في خلقته ولحيته .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن أبي سليمان : من قال : إنه - عليه السلام - كان أسود يقتل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال في رجل قيل له : لا وحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فعل الله برسول الله كذا ( وذكر ) كلاما قبيحا فقيل له : يا عدو الله ما تقول ؟ فقال : أشد من كلامه الأول ثم قال : إنما أردت برسول الله العقرب .

                                                                                                                                                                                                                              فقال ابن أبي سليمان للذي سأله أتشهد عليه وأنا شريكك ؟ يريد في قتله وثواب ذلك . وقال ابن عتاب : الكتاب والسنة موحيان بأن من قصده بأذى أو نقص معرضا أو مصرحا فقتله واجب .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو الفضل وكذلك أقول : حكم من غمصه أو عيره برعاية الغنم أو السهو أو النسيان أو السحر ، وما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه أو أذى من عدو أو شدة من زمنة أو بالميل إلى نسائه فحكم هذا كله لمن قصد به النقيصة القتل ، والحجة في ذلك قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله [ الأحزاب : 57 ] وقال في قاتل المؤمن مثل ذلك فمن لعنته في الدنيا القتل ، قال تعالى : ملعونين [ ص: 543 ] أينما ثقفوا [ الأحزاب : 61 ] وقال في المحاربين وذكر عقوبتهم : ذلك لهم خزي في الدنيا [ المائدة : 33 ] وقد يقع القتل بمعنى اللعن ، قال تعالى : قتل الخراصون [ الذاريات : 10 ] ، و قاتلهم الله أنى يؤفكون [ المنافقون : 4 ] ، أي : لعنهم الله . وقال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك [ النساء : 65 ] وقال تعالى : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [ الحجرات : 2 ] إلى قوله : أن تحبط أعمالكم [ الحجرات : 2 ] ولا يحبط العمل إلا الكفر والكافر يقتل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال تعالى : وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله [ المجادلة : 8 ] ثم قال : حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير [ المجادلة : 8 ] وقال : الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن [ التوبة : 61 ] ثم قال : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم [ التوبة : 61 ] وقال : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب [ التوبة : 65 ] إلى قوله : قد كفرتم بعد إيمانكم [ التوبة : 66 ] قال أهل التفسير : كفرتم بقولكم في رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الآثار فذكر الدارقطني من حديث عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة ، وقد خرجه ابن حبان وغيره : ثنا عبد الله بن موسى بن جعفر ، عن علي بن موسى ، عن أبيه عن جده ، عن محمد بن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي ، عن أبيه أن رسول الله قال :" من سب نبيا فاقتلوه ، ومن سب أصحابي فاضربوه " . وأخرجه الطبراني في " أصغر معاجمه " بلفظ " من سب الأنبياء [ قتل ] ومن سب أصحابي جلد " وفيه عبيد الله العمري

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 544 ] ضعفه النسائي جدا ، وقال : كذاب ، وفي الصحيح :" من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله ؟" كما سلف ، ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة بخلاف غيره من المشركين وعلل بالأذى ، فدل أن قتله إياه كان لغير الإشراك بل الأذى ، وكذلك قتل أبي رافع . قال البراء كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعين عليه . وفي حديث آخر أن رجلا كان يسبه فقال :" من يكفيني عدوي ؟" فقال خالد : أنا فبعثه إليه فقتله .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : وهو حديث صحيح مسند رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بلقين ، قال ابن المديني : وهو اسمه ، وبه يعرف .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عبد الرزاق أنه - عليه السلام - سبه رجل فقال :" من يكفيني عدوي ؟" فقال الزبير : أنا ، فقتله . وفي " صحيح مسلم " أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لعلي :" اذهب فاضرب عنقه " ، فوجده مجبوبا .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه بيان واضح كما قال ابن حزم : أن من آذاه وجب قتله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن عقبة بن أبي معيط نادى يا معاشر قريش مالي أقتل من بينكم صبرا ؟ فقال له - عليه السلام -" بكفرك وافترائك على رسول الله " .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أن امرأة كانت تسبه فقال :" من يكفيني عدوتي ؟" فخرج إليها خالد فقتلها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 545 ] وروي أن رجلا كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث عليا والزبير إليه ليقتلاه ، وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، سمعت أبي يقول فيك قولا قبيحا فقتلته فلم يشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر أن امرأة هناك في الردة غنت بسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقطع يدها ونزع ثنيتها ، فبلغ ذلك أبا بكر فقال له : لولا فعلت هذا لأمرتك بقتلها ؛ لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود .

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : هجت امرأة من خطمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " من لي بها ؟" فقال رجل من قومها : أنا يا رسول الله فنهض فقتلها وأخبره ، فقال :" لا ينتطح فيها عنزان " . وعن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيزجرها فلا ( تنزجر ) فلما كانت ذات ليلة فقتلها وأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأهدر دمها ، أخرجه أبو داود والنسائي .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي برزة الأسلمي : كنت يوما جالسا عند أبي بكر فغضب على رجل من المسلمين ، وحكى القاضي إسماعيل وغيره من الأئمة في هذا الحديث أنه سب أبا بكر ، ورواه النسائي وأبو داود من حديث يزيد بن رافع ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبي برزة : أتيت أبا بكر - رضي الله عنه - وقد أغلظ لرجل فرده عليه قال : فقلت يا خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه فقال : اجلس فليس ذاك إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولابن حزم : فقال أبو بكر :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 546 ] ليس هذا إلا لمن شتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأخرجه الحاكم في " مستدركه " أيضا ، قال القاضي أبو بكر محمد بن نصر : ولم يخالف عليه أحد ، واستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أغضبه أو آذاه أو سبه ، ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة وقد استشاره في قتل رجل سب عمر ، فكتب إليه عمر أنه لا يحل قتل امرئ مسلم يسب أحدا من الناس إلا رجلا سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن سبه فقد حل دمه ، زاد ابن حزم : والذي نفسي بيده لو قتلته لأقتلنك به ، ولو قطعته لقطعتك به ، ولو جلدته أقدته منك ، وإذا جاءك كتابي فسبه كالذي سبني واعف عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك : من شتم الأنبياء قتل . فإن قلت : لما لم يقتل اليهودي الذي قال له : السام عليك ، وهذا دعاء عليه ، قلت : سلف الجواب عنه من كلام الطحاوي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عياض : قيل له هذا كان أول الإسلام ، والشارع كان في أوله يتألف على الإسلام الناس ، ويميل قلوبهم إليه ، ويحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم ويدارئهم ، ويقول ( لأصحابه :" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " ويقول ) :" يسروا ولا تعسروا " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 547 ] فلما استقر الإسلام وأظهره الله على الدين كله قتل من قدر عليه ، حتى ألقوا بأيديهم ولقوه مسلمين وبواطن المنافقين مستترة وحكمه على الظاهر ، وأكثر تلك الكلمات إنما كان يقولها القائل ( منهم ) خفية أو مع أمثاله وينكرونها ويحلفون عليها حتى فاء كثير منهم باطنا . وذكر ابن حزم أن قول القائل : فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى ، كان في خيبر وهو كان قبل أن يأمر الله تعالى نبيه بقتل المرتدين ، وكذا حديث النبي الذي أدماه قومه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله :" لا يعلمون " يعني : بنبوته ، وقال بعض أئمتنا : ولعله لم يثبت عنده - عليه السلام - من أقوالهم ما رفع إليه ، وإنما نقله الواحد من لم يصل ( رتبة ) الشهادة في هذا الباب من صبي أو عبد أو امرأة ، والدماء لا تستباح إلا بعدلين ، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في ( السام ) وإنهم لووا به ألسنتهم ولم يبينوه ، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة - رضي الله عنها - ، ولو كان صرح بذلك لم تنفرد بعلمه ، ولهذا نبه الشارع على فعلهم وقلة صدقهم في سلامهم وخيانتهم في ذلك ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ، أو لعله رأى أنه ليس بصريح سب

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 548 ] ولا دعاء إلا بما لا بد له منه من الموت الذي لا بد من لحاقه لجميع البشر ، وقيل : بل المراد : يسأمون دينكم ، والسأم والسآمة : الملال ، وهذا دعاء على سآمة الدين ليس بصريح سب كما ترجمه البخاري .

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعض علمائنا : ليس هذا بتعريض بالسب إنما هو تعريض بالأذى ، وقد تقدم أن الإيذاء والسب في حقه - عليه السلام - سواء .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو محمد بن نصر : ولم يذكر في هذا الحديث هل كان هذا اليهودي من أهل العهد والذمة أو الحرب ، ولا يترك موجب الأدلة للأمر المحتمل ، والأولى من ذلك كله والأظهر من هذه الوجوه مقصد الاستئلاف لعلهم يؤمنون ، ولذلك ترجم البخاري بعد هذا على حديث القسمة المتقدم في الغزوات باب ؛ من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه . فإن قلت : قد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - : ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء يؤتى إليه قط إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله .

                                                                                                                                                                                                                              فاعلم أن هذا لا يقتضي أنه لا ينتقم ممن سبه أو آذاه أو كذبه ، فإن هذه من حرمات الله التي انتقم لها ، وإنما يكون ما لا ينتقم له منه فيما لا يتعلق بسوء أدب مما لم يقصد فاعله أذاه ، لكن مما جبلت عليه الأعراب من الجفاء والجهل أو جبل عليه البشر من الغفلة كجبذ الأعرابي ، وكرفع صوت الآخر عنده ، وكما كان من تظاهر زوجيه عليه ، وأشباه هذا مما يحسن الصفح عنه ، أو يكون هذا مما آذاه به كافر ، رجا بعد ذلك إسلامه ، كعفوه عن اليهودي الذي سحره - قلت :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 549 ] لكنه لم يسلم - وعن الأعرابي الذي أراد قتله ، وعن اليهودية التي سمته .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن حزم : أن اليهودية واليهودي والسحر كان يتعين قبل نزول سورة براءة ، فهو منسوخ ولا يحل العمل بمنسوخ البتة .

                                                                                                                                                                                                                              قال عياض : وأما من قال شيئا من ذلك غير قاصد السب والإيذاء ولا معتقده ، ولكنه تكلم بذلك جهلا أو لضجر أو سكر اضطره إليه أو قلة ضبط لسانه وعجرفة وتهور في كلامه ، فحكمه حكم الوجه الأول القتل دون تلعثم إذ لا يعذر أحد في الكفر لجهالة ولا لشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليما ، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، قال محمد بن سحنون : المأسور يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أيدي العدو يقتل إلا أنه يعلم تبصره أو إكراهه ، وعن ابن أبي زيد : لا يعذر بدعوى زلل اللسان في مثل هذا .

                                                                                                                                                                                                                              وأفتى القابسي فيمن شتم الشارع في سكره بأنه يقتل ؛ لأنه يظن به أن يعتقد هذا ويفعله في صحوه ، وأيضا فإنه حد لا يسقطه السكر كالقذف والقتل وسائر الحدود ؛ لأنه أدخله على نفسه ؛ لأن من شرب الخمر على علم من زوال عقله بها وإتيان ما ينكر منه ، فهو كالعامد لما يكون بسببه ، ولهذا ألزمناه الطلاق والعتاق والقصاص والحدود .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه رجل فقيل له : صل على محمد النبي ، فقال : لا صلى الله على من صلى عليه ، فقيل لسحنون : هو كمن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 550 ] شتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه ، قال : لا ، إذا كان على وصف من الغضب ؛ لأنه لم يكن مضمرا الشتم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال= أصبغ وأبو إسحاق البرقي : لا يقتل ؛ لأنه إنما شتم الناس ، وهذا نحو قول سحنون ؛ لأنه لم يعذره بالغضب في شتمه - عليه السلام - ، ولكنه لما احتمل الكلام عنده ولم يكن معه قرينة تدل على ( شتمه الشارع ولا الملائكة ولا ثم مقدمة يحمل عليها كلامه ، بل القرينة تدل على ) أن مراده الناس غير هؤلاء ، وذهب الحارث بن مسكين القاضي وغيره في مثل هذا إلى القتل . وعبارة ابن حزم : أصحابنا توقفوا في كفر من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إنه ليس كفرا ، روينا عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : لا أوتى برجل قذف داود بالزنا إلا جلدته حدين .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ومن سب أحدا من الصحابة جلد ، وإن سب عائشة - رضي الله عنها - قتل ، كما ذكره في " الزاهي " عن مالك قال : لقوله تعالى : يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا [ النور : 17 ] فمن عاد لمثله كفر ، ومن كفر قتل ، ( قال ) : وفي سب أمهات المؤمنين غير عائشة قولان : أحدهما : يقتل ؛ لأنه سب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبه الحليلة . والثاني : أنها كالصحابي يحد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 551 ] حد المفتري . قال : ومن قال لواحد منهم هو ابن زانية وأمه مسلمة حد عند بعض أصحابنا حدين ، حدا له بسبه أمه ، وحدا لها لإيمانها .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : من سب عائشة - رضي الله عنها - بما في القرآن براءتها منه فهو كفر ، وإن سبها بخلافه فلا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله - عليه السلام - لعائشة - رضي الله عنها - :" إن الله رفيق يحب الرفق " قال الشيخ أبو الحسن بن القابسي : لم يقع في كل حديث ، ويجب إثبات هذا الاسم لهذا الحديث لصحته ؛ إذ الأسماء لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة والإجماع .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف الأصوليون هل تدخل الأسماء قياسا مثل سيد وعارف ؟

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              رده - عليه السلام - على اليهود :" وعليكم " رواه أنس - رضي الله عنه - بالواو ورواية عائشة :" بل عليكم " ، وفي رواية ابن عمر :" عليك " ، وفي لفظ :" عليكم " بغير واو .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي حبيب : لم يقل وعليك ؛ لأنه إذا قلتها حققت على نفسك ما قال ، ثم أشركته معك فيه ، ولكن عليك كأنه رد عليه .

                                                                                                                                                                                                                              والقاضي أبو محمد يقول : الراد : وعليكم بالواو .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشيخ أبو محمد في " رسالته " : ومن قال عليك السلام بكسر السين : وهي الحجارة فقد قيل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عن ابن طاوس : يرد عليهم : علاك السام ، أي : ارتفع عليك ، والسام : الموت .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 552 ] واختلف هل يرد عليهم السلام ؟ فأباه أكثر العلماء وسمح فيه بعضهم .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف هل يبدءون ؟ فمنعه الأكثر وأجازه بعضهم إذا كنت مفتقرا إليه لحاجة ، وقد سلف كل ذلك في موضعه واضحا .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية