الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      المسور بن مخرمة ( ع )

                                                                                      ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب ، الإمام [ ص: 391 ] الجليل ، أبو عبد الرحمن ، وأبو عثمان ، القرشي الزهري .

                                                                                      وأمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف زهرية أيضا .

                                                                                      له صحبة ورواية . وعداده في صغار الصحابة كالنعمان بن بشير ، وابن الزبير .

                                                                                      وحدث أيضا عن ، خاله ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان .

                                                                                      حدث عنه : علي بن الحسين ، وعروة ، وسليمان بن يسار ، وابن أبي مليكة ، وعمرو بن دينار ، وولداه عبد الرحمن وأم بكر ، وطائفة .

                                                                                      قدم دمشق بريدا من عثمان يستصرخ بمعاوية .

                                                                                      وكان ممن يلزم عمر ، ويحفظ عنه .

                                                                                      وقد انحاز إلى مكة مع ابن الزبير ، وسخط إمرة يزيد ، وقد أصابه حجر منجنيق في الحصار .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : كانت الخوارج تغشاه ، وينتحلونه .

                                                                                      قال يحيى بن معين : مسور ثقة .

                                                                                      عقيل : عن ابن شهاب ، عن عروة أن المسور أخبره أنه قدم على معاوية ، فقال : يا مسور ! ما فعل طعنك على الأئمة ؟ قال : دعنا من هذا ، وأحسن فيما جئنا له . قال : لتكلمني بذات نفسك بما تعيب علي ؟ قال : فلم أترك شيئا إلا بينته ، فقال : لا أبرأ من الذنب . فهل تعد لنا مما نلي من الإصلاح في أمر العامة ، أم تعد الذنوب ، وتترك الإحسان ؟ قلت : نعم . [ ص: 392 ] قال : فإنا نعترف لله بكل ذنب . فهل لك ذنوب في خاصتك تخشاها ؟ قال : نعم . قال : فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني ، فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي ، ولا أخير بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على سواه ، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ، ويجزى فيه بالحسنات ، قال : فعرفت أنه قد خصمني ، قال عروة : فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه .

                                                                                      عن أم بكر ، أن أباها كان يصوم الدهر . وكان إذا قدم مكة ، طاف لكل يوم غاب عنها سبعا ، وصلى ركعتين .

                                                                                      الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عمته أم بكر بنت المسور ؛ عن أبيها ، أنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب بالياقوت والزبرجد ، فنفله سعد إياه ، فباعه بمائة ألف .

                                                                                      وفي " مسند أحمد " ، ورواه مسلم عنه ؛ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن الوليد بن كثير ، حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة ، أن ابن شهاب حدثه أن علي بن الحسين حدثه أنهم قدموا المدينة من عند يزيد مقتل الحسين ، فلقيه المسور بن مخرمة ، فقال : هل لك إلي من حاجة تأمرني بها ؟ قلت : لا . قال : هل أنت معطي سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه . وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي . إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل ، فسمعت رسول الله [ ص: 393 ] - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم ، فقال : إن فاطمة بضعة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها . ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إياه ، فأحسن ، قال : حدثني فصدقني ، ووعدني ، فوفى لي ، وإني لست أحرم حلالا ، ولا أحل حراما ، ولكن - والله - لا تجتمع ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابنة عدو الله مكانا واحدا أبدا .

                                                                                      ففيه أن المسور كان كبيرا محتلما إذ ذاك . وعن عطاء بن يزيد قال : كان ابن الزبير لا يقطع أمرا دون المسور بمكة .

                                                                                      وعن أبي عون ، قال : لما دنا الحصين بن نمير لحصار مكة ، أخرج المسور سلاحا قد حمله من المدينة ودروعا ، ففرقها في موال له فرس جلد ، فلما كان القتال ، أحدقوا به ، ثم انكشفوا عنه ، والمسور يضرب بسيفه ، وابن الزبير في الرعيل الأول . وقتل موالي مسور من الشاميين نفرا . وقيل : أصابه حجر المنجنيق فانفلقت منه قطعة أصابت خد المسور وهو يصلي ، فمرض ، ومات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد .

                                                                                      فعن أم بكر قالت : كنت أرى العظام تنزع من خده . بقي خمسة أيام ، ومات .

                                                                                      وقيل : أصابه الحجر ، فحمل مغشيا عليه ، وبقي يوما لا يتكلم ، ثم [ ص: 394 ] أفاق . وجعل عبيد بن عمير يقول : يا أبا عبد الرحمن ! كيف ترى في قتال هؤلاء ؟ فقال : على ذلك قتلنا .

                                                                                      قال : وولي ابن الزبير غسله ، وحمله إلى الحجون وإنا لنطأ به القتلى ، ونمشي بين أهل الشام ، فصلوا معنا عليه .

                                                                                      قلت : كانوا قد علموا بموت يزيد ، وبايعوا ابن الزبير .

                                                                                      وعن أم بكر ، قالت : ولد المسور بمكة بعد الهجرة بعامين وبها توفي لهلال ربيع الآخر سنة أربع وستين وكذا أرخه فيها جماعة .

                                                                                      وغلط المدائني ، فقال : مات في سنة ثلاث وسبعين من حجر المنجنيق .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية