الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد الله بن رواحة

                                                                                      ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة ، الأمير السعيد الشهيد أبو عمرو الأنصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر .

                                                                                      له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن بلال .

                                                                                      حدث عنه أنس بن مالك ، والنعمان بن بشير ، وأرسل عنه قيس بن أبي حازم ، [ ص: 231 ] وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعطاء بن يسار ، وعكرمة ، وغيرهم .

                                                                                      شهد بدرا والعقبة . يكنى أبا محمد ، وأبا رواحة ، وليس له عقب ، وهو خال النعمان بن بشير ، وكان من كتاب الأنصار .

                                                                                      استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في غزوة بدر الموعد وبعثه النبي - عليه السلام - سرية في ثلاثين راكبا إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر فقتله .

                                                                                      قال الواقدي : وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - خارصا على خيبر .

                                                                                      قلت : جرى ذلك مرة واحدة ، ويحتمل على بعد مرتين .

                                                                                      قال قتيبة : ابن رواحة وأبو الدرداء أخوان لأم .

                                                                                      أحمد في " مسنده " : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمارة ، عن زياد النميري ، عن أنس قال : كان ابن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول : تعال نؤمن ساعة . فقاله يوما لرجل ، فغضب ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، ألا ترى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة ، فقال : " رحم الله ابن رواحة ; إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة " .

                                                                                      [ ص: 232 ] حماد بن زيد : حدثنا ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ، فسمعه وهو يقول : " اجلسوا " . فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله .

                                                                                      وروي بعضه عن عروة ، عن عائشة .

                                                                                      حماد بن سلمة : أنبأنا أبو عمران الجوني ، أن عبد الله بن رواحة أغمي عليه ، فأتاه النبي ، فقال : " اللهم إن كان حضر أجله فيسر عليه ، وإلا فاشفه " . فوجد خفة ، فقال : يا رسول الله ، أمي قالت : واجبلاه ، واظهراه ! وملك رفع مرزبة من حديد يقول : أنت كذا ، فلو قلت : نعم لقمعني بها .

                                                                                      قال أبو الدرداء : إن كنا لنكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر في اليوم الحار ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعبد الله بن رواحة . [ ص: 233 ]

                                                                                      رواه غير واحد عن أم الدرداء عنه .

                                                                                      معمر : عن ثابت ، عن ابن أبي ليلى قال : تزوج رجل امرأة ابن رواحة ، فقال لها : تدرين لم تزوجتك ؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته . فذكرت له شيئا لا أحفظه ، غير أنها قالت : كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين ، وإذا دخل صلى ركعتين ، لا يدع ذلك أبدا .

                                                                                      قال عروة : لما نزلت والشعراء يتبعهم الغاوون قال ابن رواحة : أنا منهم ؟ . فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .

                                                                                      قال ابن سيرين : كان شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك .

                                                                                      قيل : لما جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مؤتة الأمراء الثلاثة ، فقال : " الأمير زيد ، [ ص: 234 ] فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب ، فابن رواحة " . فلما قتلا ، كره ابن رواحة الإقدام ، فقال :

                                                                                      أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أو لا لتكرهنه     فطالما قد كنت مطمئنه
                                                                                      ما لي أراك تكرهين الجنه

                                                                                      فقاتل حتى قتل .

                                                                                      قال مدرك بن عمارة : قال ابن رواحة : مررت بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجلست بين يديه ، فقال : " كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول ؟ " قلت : أنظر في ذاك ، ثم أقول . قال : فعليك بالمشركين ، ولم أكن هيأت شيئا . ثم قلت :

                                                                                      فخبروني أثمان العباء متى     كنتم بطارق أو دانت لكم مضر

                                                                                      فرأيته قد كره هذا أن جعلت قومه أثمان العباء فقلت :

                                                                                      يا هاشم الخير إن الله فضلكم     على البرية فضلا ما له غير
                                                                                      إني تفرست فيك الخير أعرفه     فراسة خالفتهم في الذي نظروا
                                                                                      ولو سألت إن استنصرت بعضهم     في حل أمرك ما آووا ولا نصروا
                                                                                      فثبت الله ما آتاك من حسن     تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

                                                                                      فأقبل - صلى الله عليه وسلم - بوجهه مستبشرا وقال : " وإياك فثبت الله "


                                                                                      [ ص: 235 ] وقال ابن سيرين : كان حسان وكعب يعارضان المشركين بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر ، وينسبهم إليه ، فلما أسلموا وفقهوا ، كان أشد عليهم .

                                                                                      ثابت : عن أنس قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء ، وابن رواحة بين يديه يقول :

                                                                                      خلوا بني الكفار عن سبيله     اليوم نضربكم على تنزيله
                                                                                      ضربا يزيل الهام عن مقيله     ويذهل الخليل عن خليله

                                                                                      فقال عمر : يا ابن رواحة ، في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خل يا عمر ; فهو أسرع فيهم من نضح النبل "
                                                                                      وفي لفظ : " فوالذي نفسي بيده ، لكلامه عليهم أشد من وقع النبل " .

                                                                                      ورواه معمر ، عن الزهري ، عن أنس .

                                                                                      قال الترمذي

                                                                                      وجاء في غير هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وكعب يقول ذلك .

                                                                                      قال : وهذا أصح عند بعض أهل العلم ; لأن ابن رواحة قتل يوم مؤتة ، [ ص: 236 ] وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك .

                                                                                      قلت : كلا ، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزما .

                                                                                      قال أبو زرعة الدمشقي : قلت لأحمد بن حنبل : فحديث أنس : دخل النبي - عليه السلام - مكة وابن رواحة آخذ بغرزه . فقال : ليس له أصل .

                                                                                      وعن قيس بن أبي حازم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابن رواحة : " انزل فحرك الركاب " . قال : يا رسول الله ، لقد تركت قولي . فقال له عمر : اسمع وأطع . فنزل وقال :

                                                                                      تالله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا

                                                                                      . وساق باقيها .

                                                                                      إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس قال : بكى ابن رواحة ، وبكت امرأته ، فقال : ما لك ؟ قالت : بكيت لبكائك . فقال : إني قد علمت أني وارد النار ، [ ص: 237 ] وما أدري أناج منها أم لا .

                                                                                      الزهري : عن سليمان بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث ابن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود ، فجمعوا حليا من نسائهم فقالوا : هذا لك وخفف عنا . قال : يا معشر يهود ، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم ، والرشوة سحت . فقالوا : بهذا قامت السماء والأرض .

                                                                                      وحماد بن سلمة ، عن عبد الله - فيما نحسب - عن نافع ، عن ابن عمر ، نحوه .

                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا محمد بن المسند ، بالمزة ، أنبأنا [ ص: 238 ] عبدان بن رزين ، حدثنا نصر بن إبراهيم الفقيه ، أنبأنا عبد الوهاب بن الحسين ، حدثنا الحسين بن محمد بن عبيد ، حدثنا محمد بن العباس الزيدي ، حدثنا محمد بن حرب ، حدثنا محمد بن عياذ ، حدثنا عبد العزيز ابن أخي الماجشون : بلغنا أنه كانت لعبد الله بن رواحة جارية يستسرها عن أهله ، فبصرت به امرأته يوما قد خلا بها ، فقالت : لقد اخترت أمتك على حرتك ؟ فجاحدها ذلك ، قالت : فإن كنت صادقا ، فاقرأ آية من القرآن . قال :

                                                                                      شهدت بأن وعد الله حق     وأن النار مثوى الكافرينا

                                                                                      قالت : فزدني آية ، فقال :

                                                                                      وأن العرش فوق الماء طاف     وفوق العرش رب العالمينا
                                                                                      وتحمله ملائكة كرام     ملائكة الإله مقربينا

                                                                                      فقالت : آمنت بالله ، وكذبت البصر ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحدثه ، فضحك ولم يغير عليه
                                                                                      .

                                                                                      ابن وهب : حدثني أسامة بن زيد أن نافعا حدثه قال : كانت لابن رواحة امرأة ، وكان يتقيها ، وكانت له جارية ، فوقع عليها ، فقالت له ، فقال : سبحان الله ! قالت : اقرأ علي إذا ; فإنك جنب . فقال :

                                                                                      شهدت بإذن الله أن محمدا     رسول الذي فوق السموات من عل
                                                                                      [ ص: 239 ] وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما     له عمل من ربه متقبل

                                                                                      وقد رويا لحسان .

                                                                                      شريك : عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن عائشة : كان يتمثل النبي - صلى الله عليه وسلم - بشعر عبد الله بن رواحة ، وربما قال : . ابن إسحاق : حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة قال : " ثم أخذ الراية - يعني بعد قتل صاحبه - قال : فالتوى بعض الالتواء ، ثم تقدم بها على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بها بعض التردد " .

                                                                                      قال : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال عند ذلك :

                                                                                      أقسمت بالله لتنزلنه     طائعة أو لا لتكرهنه
                                                                                      إن أجلب الناس وشدوا الرنه     ما لي أراك تكرهين الجنه
                                                                                      قد طال ما قد كنت مطمئنه     هل أنت إلا نطفة في شنه

                                                                                      ثم نزل فقاتل حتى قتل . [ ص: 240 ]

                                                                                      وقال أيضا :

                                                                                      يا نفس إن لا تقتلي تموتي     هذا حمام الموت قد لقيت
                                                                                      وما تمنيت فقد أعطيت     إن تفعلي فعلهما هديت
                                                                                      وإن تأخرت فقد شقيت



                                                                                      قال الوليد بن مسلم : فسمعت أنهم ساروا بناحية معان ، فأخبروا أن الروم قد جمعوا لهم جموعا كثيرة ، فاستشار زيد أصحابه فقالوا : قد وطئت البلاد وأخفت أهلها . فانصرف ، وابن رواحة ساكت ، فسأله فقال : إنا لم نسر لغنائم ، ولكنا خرجنا للقاء ، ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة ، والرأي المسير إليهم .

                                                                                      قال عروة بن الزبير : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فإن أصيب ابن رواحة ، فليرتض المسلمون رجلا " ثم ساروا حتى نزلوا بمعان ، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فشجع الناس ابن رواحة ، وقال : يا قوم ، والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها : الشهادة . وكانوا ثلاثة آلاف .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية