الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وأبوهم عمرو بن الجموح

                                                                                      ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد ، بن جشم بن الخزرج الأنصاري السلمي الغنمي .

                                                                                      والد معاذ ، ومعوذ ، وخلاد المذكورين ، وعبد الرحمن ، وهند .

                                                                                      [ ص: 253 ] روى ثابت البناني : عن عكرمة ، قال : قدم مصعب بن عمير المدينة يعلم الناس ، فبعث إليه عمرو بن الجموح : ما هذا الذي جئتمونا ؟ قالوا : إن شئت جئناك ، فأسمعناك القرآن . قال : نعم . فقرأ صدرا من سورة يوسف ، فقال عمرو : إن لنا مؤامرة في قومنا - وكان سيد بني سلمة - فخرجوا ، ودخل على مناف فقال : يا مناف ، تعلم - والله - ما يريد القوم غيرك ، فهل عندك من نكير ؟ .

                                                                                      قال : فقلده السيف وخرج ، فقام أهله فأخذوا السيف ، فلما رجع قال : أين السيف يا مناف ؟ ويحك ! إن العنز لتمنع استها ، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير . ثم قال لهم : إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا .

                                                                                      فذهب ، فأخذوه فكسروه وربطوه مع كلب ميت وألقوه في بئر ، فلما جاء قال : كيف أنتم ؟ قالوا : بخير يا سيدنا ، طهر الله بيوتنا من الرجس . قال : والله إني أراكم قد أسأتم خلافتي في مناف . قالوا : هو ذاك ، انظر إليه في ذلك البئر . فأشرف فرآه ، فبعث إلى قومه فجاءوا ، فقال : ألستم على ما أنا عليه ؟ قالوا : بلى ، أنت سيدنا . قال : فأشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد .

                                                                                      قال : فلما كان يوم أحد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " . فقام - وهو أعرج - فقال : والله لأقحزن عليها في الجنة . فقاتل حتى قتل .

                                                                                      وعن عاصم بن عمر أن إسلام عمرو بن الجموح تأخر ، وكان له صنم يقال له مناف ، وكان فتيان بني سلمة قد آمنوا ، فكانوا يمهلون ، حتى إذا ذهب الليل [ ص: 254 ] دخلوا بيت صنمه فيطرحونه في أنتن حفرة منكسا ، فإذا أصبح عمرو غمه ذلك ، فيأخذه فيغسله ويطيبه ، ثم يعودون لمثل فعلهم ، فأبصر عمرو شأنه وأسلم ، وقال أبياتا منها :

                                                                                      والله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن     أف لمثواك إلها مستدن
                                                                                      فالآن فتشناك عن شر الغبن

                                                                                      روى محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ( ح ) وفطر بن خليفة ، عن حبيب بن أبي ثابت ( ح ) ، وابن عيينة ، عن ابن المنكدر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا بني سلمة ، من سيدكم ؟ قالوا : الجد بن قيس ، وإنا لنبخله . قال : وأي داء أدوى من البخل ؟ ! بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح " .

                                                                                      قال الواقدي : لم يشهد بدرا - كان أعرج - ولما خرجوا يوم أحد منعه بنوه ، وقالوا : عذرك الله . فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكوهم ، فقال : " لا عليكم أن لا تمنعوه ; لعل الله يرزقه الشهادة " . [ ص: 255 ]

                                                                                      قالت امرأته هند أخت عبد الله بن عمرو بن حرام : كأني أنظر إليه قد أخذ درقته وهو يقول : اللهم لا تردني . فقتل هو وابنه خلاد .

                                                                                      إسرائيل : عن سعيد بن مسروق ، عن أبي الضحى : أن عمرو بن الجموح قال لبنيه : أنتم منعتموني الجنة يوم بدر ، والله لإن بقيت لأدخلن الجنة . فلما كان يوم أحد ، قال عمر : لم يكن لي هم غيره ، فطلبته ، فإذا هو في الرعيل الأول .

                                                                                      قال مالك : كفن هو وعبد الله بن عمرو بن حرام في كفن واحد .

                                                                                      مالك : عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح ، وابن حرام كان السيل قد خرب قبرهما ، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا ، كأنما ماتا بالأمس . وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه ، فدفن كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت ، فرجعت كما كانت .

                                                                                      وكان بين يوم أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية