الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      صهيب بن سنان ( ع )

                                                                                      أبو يحيى النمري . من النمر بن قاسط . ويعرف بالرومي ؛ لأنه أقام في الروم مدة . وهو من أهل الجزيرة ، سبي من قرية نينوى ، من أعمال [ ص: 18 ] الموصل . وقد كان أبوه ، أو عمه ، عاملا لكسرى . ثم إنه جلب إلى مكة ، فاشتراه عبد الله بن جدعان القرشي التيمي . ويقال : بل هرب ، فأتى مكة ، وحالف ابن جدعان .

                                                                                      كان من كبار السابقين البدريين .

                                                                                      حدث عنه بنوه : حبيب ، وزياد وحمزة ؛ وسعيد بن المسيب ، وكعب الحبر ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وآخرون .

                                                                                      روى أحاديث معدودة . خرجوا له في الكتب ؛ وكان فاضلا وافر الحرمة . له عدة أولاد .

                                                                                      ولما طعن عمر استنابه على الصلاة بالمسلمين إلى أن يتفق أهل الشورى على إمام . وكان موصوفا بالكرم ، والسماحة رضي الله عنه .

                                                                                      مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين وكان ممن اعتزل الفتنة ، وأقبل على شأنه رضي الله عنه .

                                                                                      قال الحافظ ابن عساكر : صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر ، أبو يحيى - ويقال : أبو غسان - النمري الرومي البدري المهاجري .

                                                                                      روى عنه بنوه ، وابن عمر ، وجابر ، وابن المسيب ، وعبيد بن عمير ، وابن أبي ليلى . وبنوه الثمانية : عثمان ، وصيفي ، وحمزة ، وسعد ، وعباد ، وحبيب ، وصالح ، ومحمد . [ ص: 19 ]

                                                                                      وذكره ابن سعد ، فسرد نسبه إلى أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط ، من ربيعة . حليف عبد الله بن جدعان التيمي القرشي .

                                                                                      وأمه : سلمى بنت قعيد . وكان رجلا أحمر ، شديد الحمرة ، ليس بالطويل .

                                                                                      وذكر شباب نسبه إلى النمر - بزيادة آباء ، وحذف آخرين . وكذا فعل أحمد بن البرقي .

                                                                                      `عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال : كناني النبي صلى الله عليه وسلم : أبا يحيى .

                                                                                      عن صيفي بن صهيب عن أبيه ، قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه .

                                                                                      وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه : قال عمار : لقيت صهيبا على باب دار الأرقم ، وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلنا ، فعرض علينا الإسلام : فأسلمنا . ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا ، فخرجنا ونحن مستخفون .

                                                                                      روى يونس ، عن الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صهيب سابق الروم . [ ص: 20 ]

                                                                                      وجاء هذا بإسناد جيد من حديث أبي أمامة وجاء من حديث أنس ، وأم هانئ .

                                                                                      قال مجاهد : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب . . . مختصر .

                                                                                      قال أبو عمر بن عبد البر : كان أبو صهيب ، أو عمه : عاملا لكسرى على الأبلة ، وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم عليهم ، فسبت صهيبا وهو غلام ، فنشأ بالروم . ثم اشترته كلب ، وباعوه بمكة لعبد الله بن جدعان ، فأعتقه .

                                                                                      وأما أهله فيزعمون أنه هرب من الروم ، وقدم مكة .

                                                                                      مصعب بن عبد الله ، عن أبيه ، عن ربيعة بن عثمان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : خرجت مع عمر حتى دخل حائطا لصهيب ، فلما رآه صهيب ، قال : يا ناس ، يا أناس ، فقال عمر : ما له يدعو الناس ؟ قلت : بل هو غلام له يدعى يحنس ، فقال له عمر : لولا ثلاث خصال فيك يا [ ص: 21 ] صهيب . . . الحديث .

                                                                                      الواقدي : حدثنا عثمان بن محمد ، عن عبد الحكم بن صهيب ، عن عمر بن الحكم ، قال : كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول ، في قوم من المسلمين ، حتى نزلت : ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا .

                                                                                      قال مجاهد : فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه ، وأما أبو بكر فمنعه قومه . وأخذ الآخرون - سمى منهم صهيبا - فألبسوهم أدراع الحديد ، صهروهم في الشمس ، حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ ؛ فأعطوهم ما سألوا - يعني : التلفظ بالكفر - فجاء كل رجل قومه بأنطاع فيها الماء ، فألقوهم فيها ، إلا بلالا . [ ص: 22 ] الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ومن الناس من يشري نفسه نزلت في صهيب ، ونفر من أصحابه ، أخذهم أهل مكة يعذبونهم ؛ ليردوهم إلى الشرك .

                                                                                      أحمد في " مسنده " : حدثنا أسباط : حدثنا أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود ، قال : مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده خباب ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، فقالوا : أرضيت بهؤلاء ؟ فنزل فيهم القرآن : وأنذر به الذين يخافون إلى قوله والله أعلم بالظالمين .

                                                                                      عوف الأعرابي ، عن أبي عثمان : أن صهيبا حين أراد الهجرة ، قال له أهل مكة : أتيتنا صعلوكا حقيرا ، فتغير حالك ! قال : أرأيتم إن تركت مالي ، أمخلون أنتم سبيلي ؟ قالوا : نعم ، فخلع لهم ماله ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب ! .

                                                                                      يعقوب بن محمد الزهري : حدثنا حصين بن حذيفة بن صيفي حدثنا [ ص: 23 ] أبي وعمومتي ، عن سعيد بن المسيب ، عن صهيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة ، فإما أن تكون هجر ، أو يثرب .

                                                                                      قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وقد كنت هممت بالخروج معه ، فصدني فتيان من قريش ، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد ، فقالوا : قد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكيا - فناموا ، فذهبت ، فلحقني ناس منهم على بريد ، فقلت لهم : أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوني ؟ ففعلوا ، فقلت : احفروا تحت أسكفة الباب تجدوها ، وخذوا من فلانة الحلتين ، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء فلما رآني ، قال : يا أبا يحيى ، ربح البيع ، ثلاثا ، فقلت : ما أخبرك إلا جبريل .

                                                                                      حماد بن سلمة : حدثنا علي بن زيد ، عن ابن المسيب ، قال : أقبل صهيب مهاجرا ، واتبعه نفر ، فنزل عن راحلته ، ونثل كنانته ، وقال : لقد علمتم أني من أرماكم ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي ، ثم أضربكم بسيفي ، فإن شئتم دللتكم على مالي ، وخليتم سبيلي ؟ قالوا : نفعل ، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : ربح البيع أبا يحيى ! ونزلت : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله . [ ص: 24 ]

                                                                                      وقال مصعب الزبيري : هرب صهيب من الروم بمال ، فنزل مكة ، فعاقد ابن جدعان . وإنما أخذته الروم من نينوى .

                                                                                      عبد الحكيم بن صهيب ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان ، عن صهيب ، قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء ، وقد رمدت في الطريق وجعت ، وبين يديه رطب ، فوقعت فيه ، فقال عمر : يا رسول الله : ألا ترى صهيبا يأكل الرطب وهو أرمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي ذلك . قلت : إنما آكل على شق عيني الصحيحة ، فتبسم .

                                                                                      ذكر عروة ، وموسى بن عقبة وغيرهما : صهيبا فيمن شهد بدرا .

                                                                                      أبو زرعة : حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي جده ، عن صهيب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليحب صهيبا حب الوالدة لولدها .

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن معاوية بن قرة ، عن عائذ بن عمرو : أن [ ص: 25 ] سلمان ، وصهيبا ، وبلالا ، كانوا قعودا ، فمر بهم أبو سفيان ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد ، فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ؟ قال : فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم ، لقد أغضبت ربك ، فرجع إليهم ، فقال : أي إخواننا ، لعلكم غضبتم ؟ قالوا : لا يا أبا بكر ، يغفر الله لك .

                                                                                      عبد الله بن محمد بن عقيل ، `عن حمزة بن صهيب ، عن أبيه ، قال : قال عمر لصهيب : أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك ! قال : وما هن ؟ قال : اكتنيت وليس لك ولد ، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم ! وفيك سرف في الطعام . قال : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى ، وأنا من النمر بن قاسط ، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي ، وأما قولك في سرف الطعام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خيركم من أطعم الطعام .

                                                                                      وروى محمد بن عمرو بن علقمة ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه : أن عمر قال لصهيب : لولا ثلاث فيك ؟ وبعضهم يرويه بحذف " عن أبيه " وزاد : ولو انفلقت عني روثة لانتسبت إليها .

                                                                                      وحماد بن سلمة ، عن زيد بن أسلم : أن عمر قال لصهيب : لولا ثلاث [ ص: 26 ] خصال . قال : وما هن ؟ فوالله ما تزال تعيب شيئا . قال : اكتناؤك وليس لك ولد ؛ وادعاؤك إلى النمر بن قاسط ، وأنت رجل ألكن ؛ وأنك لا تمسك المال . . . . الحديث . وفيه : واسترضع لي بالأبلة فهذه من ذاك . وأما المال ، فهل تراني أنفق إلا في حق ؟ .

                                                                                      وروى سالم ، عن أبيه : أن عمر قال : إن حدث بي حدث فليصل بالناس صهيب ، ثلاثا ، ثم أجمعوا أمركم في اليوم الثالث .

                                                                                      قال الواقدي : مات صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة . وكذلك قال المدائني وغيره في وفاته .

                                                                                      وقال المدائني : عاش ثلاثا وسبعين سنة .

                                                                                      وقال الفسوي : عاش أربعا وثمانين سنة رضي الله عنه .

                                                                                      له نحو من ثلاثين حديثا . روى له مسلم منها ثلاثة أحاديث .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية