الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو الدرداء ( ع )

                                                                                      الإمام القدوة . قاضي دمشق ، وصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس ويقال : عويمر بن عامر ، ويقال : ابن عبد الله . وقيل : ابن ثعلبة بن عبد الله ، الأنصاري الخزرجي .

                                                                                      حكيم هذه الأمة . وسيد القراء بدمشق .

                                                                                      وقال ابن أبي حاتم : هو عويمر بن قيس بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج .

                                                                                      قال : ويقال : اسمه عامر بن مالك .

                                                                                      روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- عدة أحاديث . [ ص: 336 ]

                                                                                      وهو معدود فيمن تلا على النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يبلغنا أبدا أنه قرأ على غيره .

                                                                                      وهو معدود فيمن جمع القرآن في حياة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وتصدر للإقراء بدمشق في خلافة عثمان وقبل ذلك .

                                                                                      روى عنه : أنس بن مالك ، وفضالة بن عبيد ، وابن عباس ، وأبو أمامة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ; وغيرهم من جلة الصحابة ، وجبير بن نفير ، وزيد بن وهب ، وأبو إدريس الخولاني ، وعلقمة بن قيس ، وقبيصة بن ذؤيب ، وزوجته أم الدرداء العالمة ، وابنه بلال بن أبي الدرداء ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن يسار ، ومعدان بن أبي طلحة ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وخالد بن معدان ، وعبد الله بن عامر اليحصبي .

                                                                                      وقيل : إنه قرأ عليه القرآن ولحقه ; فإن صح ، فلعله قرأ عليه بعض القرآن وهو صبي .

                                                                                      وقرأ عليه عطية بن قيس ، وأم الدرداء .

                                                                                      وقال أبو عمرو الداني : عرض عليه القرآن : خليد بن سعد ، وراشد بن سعد ، وخالد بن معدان ، وابن عامر . كذا قال الداني . وولي القضاء بدمشق ، في دولة عثمان . فهو أول من ذكر لنا من قضاتها . وداره بباب البريد . ثم صارت في دولة السلطان صلاح الدين تعرف بدار الغزي . [ ص: 337 ]

                                                                                      ويروى له مائة وتسعة وسبعون حديثا .

                                                                                      واتفقا له على حديثين ، وانفرد البخاري بثلاثة ، ومسلم بثمانية .

                                                                                      روى سعيد بن عبد العزيز ، عن مغيث بن سمي : أن أبا الدرداء ، عويمر بن عامر من بني الحارث بن الخزرج .

                                                                                      وقال ابن إسحاق مرة : هو عويمر بن ثعلبة .

                                                                                      مات قبل عثمان بثلاث سنين .

                                                                                      وقال البخاري : سألت رجلا من ولد أبي الدرداء ، فقال : اسمه عامر بن مالك . ولقبه : عويمر .

                                                                                      وقال أبو مسهر : هو عويمر بن ثعلبة . وقال أحمد ، وابن أبي شيبة ، وعدة : عويمر بن عامر .

                                                                                      وآخر من زعم أنه رأى أبا الدرداء ، شيخ عاش إلى دولة الرشيد ، فقال أبو إبراهيم الترجماني : حدثنا إسحاق أبو الحارث ، قال : رأيت أبا الدرداء أقنى أشهل يخضب بالصفرة .

                                                                                      روى الأعمش ، عن خيثمة : قال أبو الدرداء : كنت تاجرا قبل المبعث ، فلما جاء الإسلام ، جمعت التجارة والعبادة ، فلم يجتمعا ، [ ص: 338 ] فتركت التجارة ، ولزمت العبادة .

                                                                                      قلت : الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد ، وهذا الذي قاله ، هو طريق جماعة من السلف والصوفية ، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك ، فبعضهم يقوى على الجمع ، كالصديق ، وعبد الرحمن بن عوف ، وكما كان ابن المبارك ; وبعضهم يعجز ، ويقتصر على العبادة ، وبعضهم يقوى في بدايته ، ثم يعجز ، وبالعكس ; وكل سائغ . ولكن لا بد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال .

                                                                                      قال سعيد بن عبد العزيز : أسلم أبو الدرداء يوم بدر ، ثم شهد أحدا ، وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يومئذ أن يرد من على الجبل ، فردهم وحده . وكان قد تأخر إسلامه قليلا .

                                                                                      قال شريح بن عبيد الحمصي : لما هزم أصحاب رسول الله يوم أحد ، كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله في الناس ، فلما أظلهم المشركون من فوقهم ، قال رسول الله : اللهم ، ليس لهم أن يعلونا فثاب إليه ناس ، وانتدبوا ، وفيهم عويمر أبو الدرداء ، حتى أدحضوهم عن مكانهم ، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء . فقال رسول الله : نعم الفارس عويمر ! . [ ص: 339 ]

                                                                                      وقال : حكيم أمتي عويمر .

                                                                                      هذا رواه يحيى البابلتي : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن شريح .

                                                                                      ثابت البناني ، وثمامة ، عن أنس : مات النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .

                                                                                      وقال زكريا ، وابن أبي خالد ، عن الشعبي : جمع القرآن على عهد رسول الله ستة ، وهم من الأنصار : معاذ ، وأبو الدرداء ، وزيد ، وأبو زيد ، وأبي ، وسعد بن عبيد .

                                                                                      وكان بقي على مجمع بن جارية سورة أو سورتان ، حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 340 ]

                                                                                      إسماعيل ، عن الشعبي ، قال : كان ابن مسعود قد أخذ بضعا وسبعين سورة ، يعني من النبي - صلى الله عليه وسلم- وتعلم بقيته من مجمع ، ولم يجمع أحد من الخلفاء من الصحابة القرآن غير عثمان .

                                                                                      قال أبو الزاهرية : كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاما وكان يعبد صنما ، فدخل ابن رواحة ، ومحمد بن مسلمة بيته ، فكسرا صنمه ، فرجع فجعل يجمع الصنم ، ويقول : ويحك! هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك؟! ، فقالت أم الدرداء : لو كان ينفع أو يدفع عن أحد ، دفع عن نفسه ، ونفعها ! .

                                                                                      فقال أبو الدرداء : أعدي لي ماء في المغتسل . فاغتسل ، ولبس حلته ، ثم ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فنظر إليه ابن رواحة مقبلا ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو الدرداء ، وما أراه إلا جاء في طلبنا ؟ فقال : إنما جاء ليسلم ، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم .

                                                                                      روى من قوله : " وكان يعبد . . . إلى آخره " معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير .

                                                                                      وروى منه ، أبو صالح ، عن معاوية عن أبي الزاهرية ، عن جبير ، عن [ ص: 341 ] أبي الدرداء : قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء . فأسلم .

                                                                                      وروى أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز : أن أبا الدرداء أسلم يوم بدر ، وشهد أحدا . وفرض له عمر في أربع مائة - يعني في الشهر- ألحقه في البدريين .

                                                                                      وقال الواقدي : قيل : لم يشهد أحدا .

                                                                                      سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول : كانت الصحابة يقولون : أرحمنا بنا أبو بكر ; وأنطقنا بالحق عمر ; وأميننا أبو عبيدة ; وأعلمنا بالحرام والحلال معاذ ; وأقرؤنا أبي ، ورجل عنده علم ابن مسعود ، وتبعهم عويمر أبو الدرداء بالعقل .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : كان الصحابة يقولون : أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء .

                                                                                      وروى عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه : أن رسول الله آخى بين سلمان وأبي الدرداء ; فجاءه سلمان يزوره ، فإذا أم الدرداء متبذلة ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : إن أخاك لا حاجة له في الدنيا ، يقوم الليل ، ويصوم النهار . فجاء أبو الدرداء ، فرحب به ، وقرب إليه طعاما . فقال له سلمان : كل . قال : إني صائم . قال : أقسمت عليك لتفطرن . فأكل معه . ثم بات عنده ، فلما كان من الليل ، أراد أبو الدرداء أن يقوم ، فمنعه سلمان وقال : [ ص: 342 ] إن لجسدك عليك حقا . ولربك عليك حقا . ولأهلك عليك حقا ; صم ، وأفطر ، وصل ، وائت أهلك ، وأعط كل ذي حق حقه .

                                                                                      فلما كان وجه الصبح ، قال : قم الآن إن شئت ; فقاما ، فتوضآ ، ثم ركعا ، ثم خرجا إلى الصلاة ، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله بالذي أمره سلمان . فقال له : يا أبا الدرداء ، إن لجسدك عليك حقا ، مثل ما قال لك سلمان
                                                                                      .

                                                                                      البابلتي : حدثنا الأوزاعي : حدثنا حسان بن عطية ، قال : قال أبو الدرداء : لو أنسيت آية لم أجد أحدا يذكرنيها إلا رجلا ببرك الغماد ، رحلت إليه .

                                                                                      الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أبي الدرداء ، قال : سلوني ، فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلا عظيما من أمة محمد ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      ربيعة القصير ، عن أبي إدريس ، عن يزيد بن عميرة ، قال : لما حضرت معاذا الوفاة ، قالوا : أوصنا . فقال : العلم والإيمان مكانهما ، من ابتغاهما وجدهما . - قالها ثلاثا- فالتمسوا العلم عند أربعة : عند عويمر أبي [ ص: 343 ] الدرداء ، وسلمان ، وابن مسعود ، وعبد الله بن سلام ، الذي كان يهوديا فأسلم .

                                                                                      وعن ابن مسعود : علماء الناس ثلاثة : واحد بالعراق ، وآخر بالشام - يعني : أبا الدرداء - وهو يحتاج إلى الذي بالعراق - يعني : نفسه- وهما يحتاجان إلى الذي بالمدينة ، يعني : عليا رضي الله عنه .

                                                                                      إسناده ضعيف .

                                                                                      ابن وهب : أخبرني يحيى بن عبد الله ، عن عبد الرحمن الحجري ، قال : قال أبو ذر لأبي الدرداء : ما حملت ورقاء ، ولا أظلت خضراء ، أعلم منك يا أبا الدرداء .

                                                                                      منصور ، عن رجل ، عن مسروق ، قال : وجدت علم الصحابة انتهى إلى ستة : عمر ، وعلي ، وأبي ، وزيد ، وأبي الدرداء ، وابن مسعود ; ثم انتهى علمهم إلى علي ، وعبد الله .

                                                                                      وقال خالد بن معدان : كان ابن عمر يقول : حدثونا عن العاقلين . فيقال : من العاقلان ؟ فيقول : معاذ ، وأبو الدرداء . [ ص: 344 ]

                                                                                      وروى سعد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب ، قال : جمع القرآن خمسة : معاذ ، وعبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، وأبي ، وأبو أيوب . فلما كان زمن عمر ، كتب إليه يزيد بن أبي سفيان : إن أهل الشام قد كثروا ، وملئوا المدائن ، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم . فأعني برجال يعلمونهم . فدعا عمر الخمسة ; فقال : إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن ، ويفقههم في الدين ، فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم ، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا .

                                                                                      فقالوا : ما كنا لنتساهم ، هذا شيخ كبير - لأبي أيوب- وأما هذا فسقيم - لأبي - فخرج معاذ ، وعبادة ، وأبو الدرداء .

                                                                                      فقال عمر : ابدءوا بحمص ، فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة ، منهم من يلقن ، فإذا رأيتم ذلك ، فوجهوا إليه طائفة من الناس ، فإذا رضيتم منهم ، فليقم بها واحد ، وليخرج واحد إلى دمشق ، والآخر إلى فلسطين . قال : فقدموا حمص فكانوا بها ; حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة بن الصامت ; وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ، ومعاذ إلى فلسطين ، فمات في طاعون عمواس . ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين وبها مات . ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات . [ ص: 345 ]

                                                                                      الأحوص بن حكيم : عن راشد بن سعد ، قال : بلغ عمر أن أبا الدرداء ، ابتنى كنيفا بحمص . فكتب إليه : يا عويمر ، أما كانت لك كفاية فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا ، وقد أذن الله بخرابها . فإذا أتاك كتابي ، فانتقل إلى دمشق .

                                                                                      مالك ، عن يحيى بن سعيد ، قال : كان أبو الدرداء ، إذا قضى بين اثنين ، ثم أدبرا عنه ، نظر إليهما ، فقال : ارجعا إلي ، أعيدا علي قضيتكما .

                                                                                      معمر ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، قال : كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد : سلام عليك . أما بعد ، فإن العبد إذا عمل بمعصية الله ، أبغضه الله ; فإذا أبغضه الله ، بغضه إلى عباده .

                                                                                      وقال أبو وائل ، عن أبي الدرداء : إني لآمركم بالأمر وما أفعله ، ولكن لعل الله يأجرني فيه .

                                                                                      شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه : أن عمر قال لابن مسعود ، وأبي ذر ، وأبي الدرداء : ما هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب . [ ص: 346 ]

                                                                                      سعيد بن عبد العزيز ، عن مسلم بن مشكم : قال لي أبو الدرداء : اعدد من في مجلسنا . قال : فجاءوا ألفا وستمائة ونيفا . فكانوا يقرءون ويتسابقون عشرة عشرة ، فإذا صلى الصبح ، انفتل وقرأ جزءا ; فيحدقون به يسمعون ألفاظه . وكان ابن عامر مقدما فيهم .

                                                                                      وقال هشام بن عمار : حدثنا يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، قال : كان أبو الدرداء يصلي ، ثم يقرئ ويقرأ ، حتى إذا أراد القيام ، قال لأصحابه : هل من وليمة أو عقيقة نشهدها ؟ فإن قالوا : نعم ، وإلا قال : اللهم ، إني أشهدك أني صائم . وهو الذي سن هذه الحلق للقراءة .

                                                                                      قال القاسم بن عبد الرحمن : كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم .

                                                                                      أبو الضحى ; عن مسروق ، قال : شاممت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فوجدت علمهم انتهى إلى عمر ، وعلي ، وعبد الله ، ومعاذ ، وأبي الدرداء ، وزيد بن ثابت . .

                                                                                      وعن يزيد بن معاوية ، قال : إن أبا الدرداء من العلماء الفقهاء ، الذين يشفون من الداء . [ ص: 347 ]

                                                                                      وقال الليث ، عن رجل عن آخر : رأيت أبا الدرداء دخل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- ومعه من الأتباع مثل السلطان : فمن سائل عن فريضة ، ومن سائل عن حساب ، وسائل عن حديث ، وسائل عن معضلة ، وسائل عن شعر .

                                                                                      قال ربيعة بن يزيد القصير : كان أبو الدرداء إذا حدث عن رسول الله قال : اللهم إن لا هكذا ، وإلا فكشكله .

                                                                                      منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال أبو الدرداء : ما لي أرى علماءكم يذهبون ، وجهالكم لا يتعلمون ! تعلموا ، فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر .

                                                                                      وعن أبي الدرداء ، من وجه مرسل : لن تكون عالما حتى تكون متعلما ، ولا تكون متعلما حتى تكون بما علمت عاملا ; إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي : ما عملت فيما علمت ؟ .

                                                                                      جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، قال أبو الدرداء : ويل للذي لا يعلم مرة ، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات . [ ص: 348 ]

                                                                                      ابن عجلان ، عن عون بن عبد الله : قلت لأم الدرداء : أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر ؟ قالت : التفكر والاعتبار .

                                                                                      وعن أبي الدرداء : تفكر ساعة خير من قيام ليلة .

                                                                                      عمرو بن واقد ، عن ابن حلبس : قيل لأبي الدرداء - وكان لا يفتر من الذكر- : كم تسبح في كل يوم ؟ قال : مائة ألف ، إلا أن تخطئ الأصابع .

                                                                                      الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدر له ، إذ سمعت في القدر صوتا ينشج ، كهيئة صوت الصبي ، ثم انكفأت القدر ، ثم رجعت إلى مكانها ، لم ينصب منها شيء . فجعل أبو الدرداء ينادي : يا سلمان ، انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك ! فقال له سلمان : أما إنك لو سكت ، لسمعت من آيات ربك الكبرى .

                                                                                      الأوزاعي ، عن بلال بن سعد ، أن أبا الدرداء قال : أعوذ بالله من تفرقة القلب . قيل : وما تفرقة القلب ؟ قال : أن يجعل لي في كل واد مال . [ ص: 349 ]

                                                                                      روي عن أبي الدرداء ، قال : لولا ثلاث ما أحببت البقاء : ساعة ظمأ الهواجر ، والسجود في الليل ، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب الثمر .

                                                                                      الأعمش ، عن غيلان ، عن يعلى بن الوليد ، قال : لقيت أبا الدرداء ، فقلت : ما تحب لمن تحب ؟ قال : الموت . قلت : فإن لم يمت ؟ قال : يقل ماله وولده .

                                                                                      قال معاوية بن قرة : قال أبو الدرداء : ثلاثة أحبهن ، ويكرههن الناس : الفقر ، والمرض ، والموت . أحب الفقر تواضعا لربي ، والموت اشتياقا لربي ، والمرض تكفيرا لخطيئتي .

                                                                                      الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبيه : أن أبا الدرداء أوجعت عينه حتى ذهبت ، فقيل له : لو دعوت الله ؟ فقال : ما فرغت بعد من دعائه لذنوبي ; فكيف أدعو لعيني ؟ .

                                                                                      حريز بن عثمان : حدثنا راشد بن سعد ، قال : جاء رجل إلى أبي [ ص: 350 ] الدرداء فقال : أوصني . قال : اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء ; وإذا ذكرت الموتى ، فاجعل نفسك كأحدهم ، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا ، فانظر إلى ما يصير .

                                                                                      إبراهيم النخعي ، عن همام بن الحارث : كان أبو الدرداء يقرئ رجلا أعجميا : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فقال : " طعام اليتيم " فرد عليه ، فلم يقدر أن يقولها . فقال : قل : طعام الفاجر . فأقرأه " طعام الفاجر " .

                                                                                      منصور ، عن عبد الله بن مرة ، أن أبا الدرداء قال : اعبد الله كأنك تراه وعد نفسك في الموتى ، وإياك ودعوة المظلوم ، واعلم أن قليلا يغنيك خير من كثير يلهيك ، وأن البر لا يبلى ، وأن الإثم لا ينسى .

                                                                                      شيبان ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن أبي الدرداء : إياك ودعوات المظلوم ; فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار .

                                                                                      وروى لقمان بن عامر ، أن أبا الدرداء قال : أهل الأموال يأكلون ونأكل ، ويشربون ونشرب ، ويلبسون ونلبس ، ويركبون ونركب ، ولهم فضول أموال ينظرون إليها ، وننظر إليها معهم ، وحسابهم عليها ونحن منها برآء .

                                                                                      وعنه ، قال : الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند [ ص: 351 ] الموت ، ولا نتمنى أننا مثلهم حينئذ . ما أنصفنا إخواننا الأغنياء : يحبوننا على الدين ، ويعادوننا على الدنيا .

                                                                                      رواه صفوان بن عمرو الحمصي ، عن عبد الرحمن بن جبير .

                                                                                      وروى صفوان ، عن ابن جبير ، عن أبيه ، قال : لما فتحت قبرس ، مر بالسبي على أبي الدرداء ، فبكى ، فقلت له : تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : يا جبير ، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله ، فلقوا ما ترى . ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه .

                                                                                      بقية ، عن حبيب بن عمر ، عن أبي عبد الصمد ، عن أم الدرداء ، قالت : كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم ، فقلت : إني أخاف أن يحمقك الناس . فقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يحدث بحديث إلا تبسم .

                                                                                      أخرجه أحمد في " المسند " .

                                                                                      عكرمة بن عمار ، عن أبي قدامة محمد بن عبيد ، عن أم الدرداء ، قالت : كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله . يدعو لهم في الصلاة ، فقلت له في ذلك ، فقال : إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان : ولك بمثل . أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة . [ ص: 352 ]

                                                                                      وقال أبو الزاهرية : قال أبو الدرداء : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم .

                                                                                      قالت أم الدرداء : لما احتضر أبو الدرداء ، جعل يقول : من يعمل لمثل يومي هذا ؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا ؟ .

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق : أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا محمد بن عمر القاضي ، ومحمد بن علي ، ومحمد بن أحمد الطرائقي : قالوا : أخبرنا محمد بن أحمد بن المسلمة : أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن : أخبرنا جعفر الفريابي : حدثنا محمد بن عائذ : حدثنا الهيثم بن حميد : حدثنا الوضين بن عطاء ، عن يزيد بن مزيد ، قال : ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء فقال نوف البكالي إني لغير الدجال أخوف مني من الدجال . فقال أبو الدرداء : وما هو ؟ قال : أخاف أن أستلب إيماني وأنا لا أشعر . فقال أبو الدرداء : ثكلتك أمك يابن الكندية ! وهل في [ ص: 353 ] الأرض خمسون يتخوفون ما تتخوف ؟ ثم قال : وثلاثون ، وعشرون ، وعشرة ، وخمسة . ثم قال : وثلاثة . كل ذلك يقول : ثكلتك أمك! والذي نفسي بيده ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه ، أو انتزع منه فيفقده . والذي نفسي بيده ما الإيمان إلا كالقميص يتقمصه مرة ويضعه أخرى .

                                                                                      قال الواقدي ، وأبو مسهر ، وابن نمير : مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين .

                                                                                      وعن خالد بن معدان ، قال : مات سنة إحدى وثلاثين .

                                                                                      فهذا خطأ ، لأن الثوري روى عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن حريث بن ظهير ، قال : لما جاء نعي - يعني : ابن مسعود - إلى أبي الدرداء ، قال : أما إنه لم يخلف بعده مثله! ووفاة عبد الله في سنة 32 .

                                                                                      وروى إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي عبيد الله الأشعري ، قال : مات أبو الدرداء قبل مقتل عثمان ، رضي الله عنهما .

                                                                                      وقيل : الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل ، ولكل عشرة منهم ملقن ، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما ، فإذا أحكم الرجل منهم ، تحول إلى أبي الدرداء - يعني يعرض عليه .

                                                                                      وعن أبي الدرداء ، قال : من أكثر ذكر الموت قل فرحه ، وقل حسده .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية