الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي ( ق )

                                                                                      الحافظ المجود الشهيد أبو زكريا .

                                                                                      قال الحاكم : هو إمام نيسابور في الفتوى والرئاسة ، وابن إمامها ، وأمير المطوعة بخراسان بلا مدافعة ، يعني : الغزاة . قال : وكان يسكن دار أبيه ، ولكل منهما فيها صومعة وآثار لعبادتهما ، والسكة والمسجد منسوبان إلى حيكان . [ ص: 286 ]

                                                                                      سمع يحيى بن يحيى ، وأحمد بن عمرو الحرشي ، وابن راهويه ، وبالري إبراهيم بن موسى الفراء ومحمد بن عبد الله بن أبي جعفر . وببغداد علي بن الجعد ، والحكم بن موسى ، وأحمد بن حنبل ، والقواريري ، وطبقتهم . وبالبصرة أبا الوليد ، وسليمان بن حرب ، ومسددا ، والربيع بن يحيى ، وعلي بن عثمان اللاحقي ، ومحمد بن كثير ، وسهل بن بكار ، والحوضي ، وعبيد الله بن معاذ . وبالكوفة أحمد بن يونس ، وسعيد بن الأشعثي ، وأحمد بن يحيى بن المنذر . وبالحجاز إسماعيل بن أبي أويس ، وعبد الله بن عبد الحكم المصري ، وسعيد بن منصور ، وإبراهيم بن محمد الشافعي ، ومحرز بن سلمة .

                                                                                      حدث عنه : أبوه ، والحسين بن محمد القباني ، وأبو عمرو أحمد بن نصر ، وإبراهيم بن أبي طالب ، وابن خزيمة ، والسراج .

                                                                                      قلت : ومحمد بن صالح بن هانئ ، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم . وفي كتاب " الكمال " أن ابن ماجه روى عنه ولم نره . [ ص: 287 ]

                                                                                      قتله أحمد بن عبد الله الخجستاني ظلما في جمادى الآخرة سنة سبع وستين ومائتين . لكونه قام عليه ، وحاربه لاعتدائه وعسفه .

                                                                                      قال الحاكم : سمعت أبا علي محمد بن أحمد بن زيد العدل ، ختن حيكان على ابنته ، قال : دخلنا على أبي زكريا بعد أن رد من الطريق وهو في الحبس ، فقال لنا : اشترك في دمي خمسة نفر : العباسان ، وابن ياسين ، وبشرويه ، وأحمد بن نصر اللباد .

                                                                                      وسمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق ، سمعت نوح بن أحمد ، سمعت أحمد بن عبد الله الخجستاني يقول : دخلت على حيكان في محبسه الذي كنت حبسته فيه على أن أضربه خشبان ، وأخلي سبيله ، وما كنت عازما على قتله ، فلما قربت منه ، مددت يدي إلى لحيته ، فقبضت عليها ، فقبض على خصيي ، حتى لم أشك أنه قاتلي ، فذكرت سكينا في خفي ، فجردت السكين ، وشققت بطنه .

                                                                                      وقيل : إن حيكان أسلمه جموعه ، فانهزم ، وانضم إلى حمالين ، وتنكر ، ثم عرف ، فقبض عليه .

                                                                                      سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب العدل ، سمعت أبا عمرو [ ص: 288 ] المستملي يقول : رأيت يحيى بن محمد -رضي الله عنه- في المنام ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي : قلت : فما فعل الخجستاني ؟ قال : هو في تابوت من نار ، والمفتاح بيدي .

                                                                                      وسمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول : لما قتل حيكان ترك أبو عمرو المستملي اللباس القطني ، وكان يلبس في الشتاء فروا بلا قميص ، وفي الصيف مسحا ، وكان مجلسه ومبيته في مسجد الأدميين على رأس سكة الحسن بن موسى بنيسابور ، إذ سمع الناس يقولون : قد أقبل أحمد الخجستاني ، فخرج المستملي ، وعليه الفرو ، فتقدم ، فأخذ عنان أحمد ، ثم قال : يا ظالم ، قتلت الإمام ابن الإمام ، العالم ابن العالم ؟ ؟ ! ! فارتعد الخجستاني ، ونفرت دابته ، فتقدم الرجالة لضربه ، فصاح الخجستاني دعوه دعوه ، فرجع ودخل المسجد .

                                                                                      قال محمد بن صالح : فبلغني عن أبي حاتم نوح أنه قال : قال الخجستاني : والله ما فزعت قط من أحد فزعي من صاحب الفروة ، ولقد ندمت لما نظرت إليه من إقدامي على قتل حيكان .

                                                                                      وسمعت محمد بن صالح يقول : حضرنا آخر مجلس للإملاء عند يحيى بن محمد الشهيد في شهر رمضان من سنة سبع وستين ومائتين ، وقيل في شوال ، ورفضت مجالس الحديث ، وخبئت المحابر ، حتى لم يقدر أحد في البلد أن يمشي ومعه محبرة ، ولا في كمه كراريس الحديث إلى سنة سبعين ، فاحتال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل في مجيء السري خزيمة إلى نيسابور ، وعقد له مجلس الإملاء في خان محمش ، وعلا [ ص: 289 ] المحبرة بيده واجتمع عنده خلق عظيم .

                                                                                      حدثنا محمد بن صالح بن هانئ : حدثنا يحيى بن محمد ، سمعت علي بن المديني يقول : عهدي بأصحابنا ، وأحفظهم أحمد بن حنبل ، فلما احتاج أن يحدث لا يكاد يحدث إلا من كتاب .

                                                                                      قلت : لأن ذلك أقرب إلى التحري والورع ، وأبعد عن العجب .

                                                                                      قال : وسمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب يقول : سمعت يحيى بن محمد ، سمعت مسددا يقول : الجعة النبيذ الذي يعمل من الشعير .

                                                                                      ومن الرواية ، عن الذهلي وابنه : أخبرنا الإمام أبو الحسين علي بن محمد ، أخبرنا جعفر بن علي ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا ثابت بن بندار ، أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قرأنا على أبي العباس بن حمدان ، حدثكم محمد بن نعيم قال : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته ، وحيث تصرف ، ولا نرى الكلام فيما أحدثوا فتكلموا في الأصوات والأقلام والحبر والورق ، وما أحدثوا من المتلي والمتلى والمقرئ ، فكل هذا عندنا بدعة ، ومن زعم أن القرآن محدث ، فهو عندنا جهمي لا يشك فيه ولا يمترى . [ ص: 290 ]

                                                                                      قلت : كذا قال : المتلي والمتلى ، ومراده المتلي والتلاوة ، والمقرئ والقراءة . ومذهب السلف وأئمة الدين أن القرآن العظيم المنزل كلام الله تعالى غير مخلوق . ومذهب المعتزلة أنه مخلوق ، وأنه كلام الله تعالى على حد قولهم : عيسى كلمة الله ، وناقة الله ، أي إضافة ملك .

                                                                                      ومذهب داود وطائفة أنه كلام الله ، وأنه محدث مع قولهم : بأنه غير مخلوق .

                                                                                      وقال آخرون من الحنابلة وغيرهم : هو كلام الله قديم غير محدث ، ولا مخلوق . وقالوا : إذا لم يكن مخلوقا فهو قديم . ونوزعوا في هذا المعنى وفي إطلاقه .

                                                                                      وقال آخرون : هو كلام الله مجازا ، وهو دال على القرآن القديم القائم بالنفس .

                                                                                      وهنا بحوث وجدال لا نخوض فيها أصلا . والقول هو ما بدأنا به ، وعليه نص أزيد من ثلاث مائة إمام . وعليه امتحن الإمام أحمد ، وضرب بالسياط رحمه الله .

                                                                                      أخبرنا محمد بن محمد بن علي الوزير ، وأحمد بن عبد الرحمن العابر ، وعبد الرحيم بن عبد المحسن ، وغيرهم ، قالوا : أخبرنا عبد الرحمن بن مكي ، قال : أخبرنا جدي أبو طاهر السلفي ، أخبرنا مكي بن علان ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن معقل سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن [ ص: 291 ] شهاب ، أخبرني أبو أسامة سهل بن حنيف ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : بينما أنا نائم ، رأيت الناس يعرضون علي ، وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك . ومر علي عمر بن الخطاب ، وعليه قميص يجره . قالوا : ماذا أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدين متفق عليه ، وقد رواه النسائي عن محمد بن يحيى ، فوافقناه بعلو .

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا هبة الله بن أبي شريك ، أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، حدثنا عيسى بن علي إملاء ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري إملاء ، حدثنا ابن يحيى ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثني الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يمشي الرجل في نعل واحدة .

                                                                                      قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق بمصر : أخبرنا محمد بن [ ص: 292 ] إبراهيم بن أحمد الخبري في سنة إحدى وعشرين ، أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا القاسم بن الفضل ، أخبرنا محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا محمد بن يعقوب الحافظ سنة أربعين وثلاثمائة ، حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس سنة خمس وعشرين ومائتين ، حدثني أبي ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر بن الخطاب ، عن أبي بكر الصديق ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا نورث ما تركنا صدقة .

                                                                                      أخرجه مسلم عن أبي خيثمة ، وأخرجه أبو داود عن حجاج بن الشاعر ، جميعا عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح ، وأخرجه النسائي عن عمرو بن يحيى الحمصي ، عن محبوب بن موسى ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن شعيب بن أبي حمزة ، كلاهما عن الزهري ، لكن عن عروة ، عن عائشة وهذا أصح . والآخر فمحفوظ ، وإن كان أبو أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي فيه لين . وكذلك ابنه تكلم فيه مع أنه من رجال " الصحيحين " . وباقي الإسناد ثقات إلا ما كان من شيخ شيخنا هذا الخبري ، فإنه تكلم في معتقده . [ ص: 293 ]

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : سمعت من يحيى بن محمد ، وهو صدوق .

                                                                                      وقال أبو إسحاق المزكي : حدثني أبو علي الحسن بن محمد وغيره أن محمد بن يحيى الذهلي وابنه يحيى اختلفا في مسألة فقال أحدهما للآخر : اجعل بيننا حكما ، فرضيا بابن خزيمة ، فقضى ليحيى على أبيه . ثم قال المزكي : كان يحيى له موضع من العلم والحديث . سمع من العيشي ونحوه .

                                                                                      قال : وقال أبو العباس السراج : كان يحيى بن محمد أخرجه الغزاة وجماعة من أصحاب الحديث ، وأصحاب الرأي ، وأركبوه دابة ، وألبسوه سيفا -قال المزكي : بلغني أنه كان سيف خشب- وقاتلوا سلطان نيسابور ، يقال له : أحمد بن عبد الله ، خارجي ، غلب على البلد ، وكان ظالما غاشما ، وكان الناس أو أكثرهم مجتمعين عليه مع يحيى ، فكانت الدبرة على العامة ، وهرب يحيى إلى رستاق يقال له : بست ، فدل عليه أحمد بن عبد الله ، وجيء به . فيقال : إن عامة من كان مع يحيى من الرؤساء ، انقلبوا عليه لما واقفه أحمد ، وقال : ألم أحسن إليك؟ ألم أفعل ، ألم أفعل؟ وكان يحيى فوق جميع أهل البلد . فقال : أكرهت على ذلك ، واجتمعوا علي ، قال : فرد عليه الجماعة ، أو [ ص: 294 ] من حضر منهم ، وقالوا : ليس كما قال . فأخذه أحمد فقتله . يقال : إنه بنى عليه . قال : ويقال : إنه أمر بجر خصييه حتى مات .

                                                                                      قال الحاكم : سمعت أبا عبد الله بن الأخرم يقول : ما رأيت مثل حيكان ، لا رحم الله قاتله .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية