الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وهب بن منبه ( ع )

                                                                                      ابن كامل بن سيج بن ذي كبار ، وهو الأسوار الإمام ، العلامة الأخباري القصصي ، أبو عبد الله الأبناوي ، اليماني الذماري الصنعاني ، أخو همام بن منبه ، ومعقل بن منبه ، وغيلان بن منبه . [ ص: 545 ]

                                                                                      مولده في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين ، ورحل وحج .

                                                                                      وأخذ عن ابن عباس ، وأبي هريرة - إن صح - وأبي سعيد ، والنعمان بن بشير ، وجابر ، وابن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص - على خلاف فيه - وطاوس .

                                                                                      حتى إنه ينزل ويروي عن عمرو بن دينار ، وأخيه همام ، وعمرو بن شعيب ، وفنج اليماني - ولا يدرى من فنج .

                                                                                      حدث عنه ولداه : عبد الله وعبد الرحمن ، وعمرو بن دينار ، وسماك بن الفضل ، وعوف الأعرابي ، وعاصم بن رجاء بن حيوة ، ويزيد بن يزيد بن جابر ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، وإسرائيل أبو موسى ، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق ، والمغيرة بن حكيم ، والمنذر بن النعمان ، وابن أخيه عقيل بن معقل ، وابن أخيه عبد الصمد بن معقل ، وسبطه إدريس بن سنان ، وصالح بن عبيد ، وعبد الكريم بن حوران ، وعبد الملك بن خلج ، وداود بن قيس ، وعمران بن هربذ أبو الهذيل ، وعمران بن خالد الصنعانيون ، وخلق سواهم .

                                                                                      وروايته للمسند قليلة ; وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات ، ومن صحائف أهل الكتاب .

                                                                                      قال أحمد : كان من أبناء فارس ، له شرف ; قال : وكل من كان من أهل اليمن له " ذي " هو شريف ، يقال : فلان له " ذي " ، وفلان لا " ذي " له .

                                                                                      قال العجلي : تابعي ثقة ، كان على قضاء صنعاء . وقال أبو زرعة والنسائي : ثقة .

                                                                                      قال أحمد بن محمد بن الأزهر : سمعت مسلمة بن همام بن مسلمة بن همام يذكر عن آبائه : أن هماما ووهبا وعبد الله ومعقلا ومسلمة بنو منبه ، أصلهم من خراسان ، من هراة ; فمنبه من أهل هراة ، خرج أيام كسرى ، [ ص: 546 ] وكسرى أخرجه من هراة ، ثم إنه أسلم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فحسن إسلامه . ومسكنهم باليمن ، وكان وهب بن منبه يختلف إلى هراة ، ويتفقد أمر هراة .

                                                                                      حسان بن إبراهيم : حدثنا يحيى بن زبان أنبأنا عبد الله بن راشد ، عن مولى لسعيد بن عبد الملك : سمعت خالد بن معدان يحدث عن عبادة بن الصامت ، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " سيكون في أمتي رجلان : أحدهما يقال له وهب ، يؤتيه الله الحكم ; والآخر يقال له غيلان ، هو أشد على أمتي من إبليس " سئل ابن معين عن ابن زبان وشيخه فقال : لا أعرفهما .

                                                                                      الوليد بن مسلم ، عن مروان بن سالم - واه - عن أحوص بن حكيم ، عن خالد ، عن عبادة مرفوعا ، نحوه . وقال : " أضر على أمتي " .

                                                                                      وعن عبد الرزاق ، عن أبيه ، عن وهب قال : يقولون عبد الله بن سلام كان أعلم أهل زمانه ، وإن كعبا أعلم أهل زمانه ، أفرأيت من جمع علمهما ، أهو أعلم أم هما ؟ إسنادها مظلم .

                                                                                      وعن كثير ، أنه سار مع وهب ، فباتوا بصعدة عند رجل ، فخرجت بنت الرجل فرأت مصباحا ، فاطلع صاحب المنزل فنظر إليه صافا قدميه في [ ص: 547 ] ضياء كأنه بياض الشمس ، فقال الرجل : رأيتك الليلة في هيئة . وأخبره ، فقال : اكتم ما رأيت .

                                                                                      مسلم الزنجي : حدثني المثنى بن الصباح ، قال : لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئا فيه الروح ، ولبث عشرين سنة لم يجعل بين العشاء والصبح وضوءا . قال : وقال وهب : لقد قرأت ثلاثين كتابا نزلت على ثلاثين نبيا .

                                                                                      جعفر بن سليمان ، عن عبد الصمد بن معقل ، قال : صحبت عمي وهبا أشهرا يصلي الغداة بوضوء العشاء .

                                                                                      وقال سلم بن ميمون الخواص ، عن مسلم الزنجي ، قال : لبث وهب بن منبه أربعين سنة لا يرقد على فراش ، وعشرين سنة لم يجعل بين العتمة والصبح وضوءا . .

                                                                                      وروى عبد الرزاق بن همام ، عن أبيه ، قال : رأيت وهبا إذا قام في الوتر قال : لك الحمد السرمد ، حمدا لا يحصيه العدد ، ولا يقطعه الأبد ، كما ينبغي لك أن تحمد ، وكما أنت له أهل ، وكما هو لك علينا حق . .

                                                                                      وروى عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه ، قال : كان وهب يحفظ كلامه كل يوم ، فإن سلم أفطر ، وإلا طوى .

                                                                                      قال عبد الصمد بن معقل ، قال الجعد بن درهم : ما كلمت عالما قط إلا غضب ، وحل حبوته غير وهب .

                                                                                      معمر ، عن سماك بن الفضل ، قال : كنا عند عروة بن محمد الأمير ، [ ص: 548 ] وإلى جنبه وهب ، فجاء قوم فشكوا عاملهم وذكروا منه شيئا قبيحا ، فتناول وهب عصا كانت في يد عروة فضرب بها رأس العامل حتى سال الدم ، فضحك عروة واستلقى وقال : يعيب علينا وهب الغضب وهو يغضب ! قال : وما لي لا أغضب وقد غضب الذي خلق الأحلام ، يقول تعالى : فلما آسفونا انتقمنا منهم .

                                                                                      وروى إسماعيل بن عبد الكريم ، عن عبد الصمد بن معقل ، قيل لوهب : إنك يا أبا عبد الله كنت ترى الرؤيا ، فتحدثنا بها فتكون حقا ! قال : هيهات ، ذهب ذلك عني منذ وليت القضاء .

                                                                                      وعن وهب : الدراهم خواتيم الله في الأرض ، فمن ذهب بخاتم الله قضيت حاجته .

                                                                                      ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : دخلت على وهب داره بصنعاء ، فأطعمني من جوزة في داره ، فقلت له : وددت أنك لم تكن كتبت في القدر كتابا . فقال : وأنا والله .

                                                                                      أحمد ، عن عبد الرزاق : سمعت أبي يقول : حج عامة الفقهاء سنة مائة ، فحج وهب ، فلما صلوا العشاء أتاه نفر فيهم عطاء والحسن ، وهم يريدون أن يذاكروه القدر ، قال : فافتن في باب من الحمد ، فما زال فيه حتى طلع الفجر ، فافترقوا ولم يسألوه عن شيء .

                                                                                      قال أحمد : اتهم بشيء منه ورجع . وقال العجلي : رجع . [ ص: 549 ]

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن أبي سنان عيسى بن سنان : سمعت وهبا يقول : كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتابا من كتب الأنبياء ; في كلها : من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر . فتركت قولي .

                                                                                      أبو أسامة ، عن أبي سنان : سمعت وهبا يقول لعطاء الخراساني : كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم ، فكانوا لا يلتفتون إليها ، وكان أهل الدنيا يبذلون دنياهم في علمهم ، فأصبح أهل العلم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في دنياهم ، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم .

                                                                                      وعنه ، قال : احفظوا عني ثلاثا : إياكم وهوى متبعا ، وقرين سوء ، وإعجاب المرء بنفسه .

                                                                                      وعنه : دع المراء والجدل ; فإنه لن يعجز أحد رجلين : رجل هو أعلم منك ، فكيف تعادي وتجادل من هو أعلم منك ؟ ! ورجل أنت أعلم منه ، فكيف تعادي وتجادل من أنت أعلم منه ولا يطيعك ؟ !

                                                                                      أبو عاصم النبيل : حدثني أبو سلام ، عن وهب بن منبه ، قال : العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيمه ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أبوه ، واللين أخوه .

                                                                                      وعن وهب : المؤمن ينظر ليعلم ، ويتكلم ليفهم ، ويسكت ليسلم ، ويخلو ليغنم . [ ص: 550 ]

                                                                                      الإيمان عريان ، ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وماله الفقه .

                                                                                      ثلاث من كن فيه أصاب البر : السخاء ، والصبر على الأذى ، وطيب الكلام .

                                                                                      أبو اليمان ، عن عباس بن يزيد ، قال : قال وهب بن منبه : استكثر من الإخوان ما استطعت ; فإن استغنيت عنهم لم يضروك ، وإن احتجت إليهم نفعوك . .

                                                                                      وعن وهب : إذا سمعت من يمدحك بما ليس فيك ، فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك .

                                                                                      ابن المبارك ، عن وهيب بن الورد ، قال : جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : قد حدثت نفسي أن لا أخالط الناس . قال : لا تفعل ; إنه لا بد لك من الناس ، ولا بد لهم منك ، ولهم إليك حوائج ولك نحوها ; ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا أحمد بن محمد ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا ابن حيان حدثنا محمد بن عبد الله بن رسته ، حدثنا بشر بن هلال ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي سنان ، [ ص: 551 ] قال : اجتمع وهب وعطاء الخراساني ، فقال له عطاء : يا أبا عبد الله ، ما هذا الذي فشا عنك في القدر ؟ فقال : ما تكلمت في القدر بشيء ، ولا أعرف هذا ، قرأت نيفا وتسعين كتابا من كتب الله ، منها سبعون ظاهرة في الكنائس ، ومنها عشرون لا يعلمها إلا القليل ، فوجدت فيها كلها : أن من وكل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر .

                                                                                      وبه ، إلى أبي نعيم : حدثنا أبو حامد ، حدثنا السراج ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرني أبي ، سمعت وهبا يقول : ربما صليت الصبح بوضوء العتمة .

                                                                                      وعن وهب قال : كان نوح - عليه السلام - من أجمل أهل زمانه ، وكان يلبس البرقع ، فأصابتهم مجاعة في السفينة ، فكان نوح إذا تجلى لهم بوجهه شبعوا .

                                                                                      وعن وهب ، أن عيسى - عليه السلام - قال للحواريين : أشدكم جزعا على المصيبة ، أشدكم حبا للدنيا .

                                                                                      وعن وهب قال : المؤمن يخالط ليعلم ، ويسكت ليسلم ، ويتكلم ليفهم ، ويخلو ليغنم .

                                                                                      وعنه ، قرأت في بعض الكتب : ابن آدم ، لا خير لك في أن تعلم ما لم تعلم ولم تعمل بما علمت ; فإن مثل ذلك كرجل احتطب حطبا فحزم حزمة ، فذهب يحملها فعجز عنها ، فضم إليها أخرى . [ ص: 552 ]

                                                                                      أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن أبي المكارم اللبان ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن الحسن بن كيسان ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى اليماني عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن " أبو موسى مجهول .

                                                                                      مبارك بن سعيد الثوري عن سفيان ، عن جعفر بن برقان ، قال وهب : طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه ، طوبي لمن تواضع لله من غير مسكنة ، طوبى لمن تصدق من مال جمعه من غير معصية ، طوبى لأهل الضر وأهل المسكنة ، طوبى لمن جالس أهل العلم والحلم ، طوبى لمن اقتدى بأهل العلم والحلم والخشية ، طوبى لمن وسعته السنة فلم يعدها . .

                                                                                      عن وهب : الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه ، وإذا سكت فضحه عيه ، وإذا عمل أفسد ، وإذا ترك أضاع ; لا علمه يعينه ، ولا علم غيره ينفعه ، تود أمه أنها ثكلته ، وامرأته لو عدمته ، ويتمنى جاره منه الوحدة ، ويجد جليسه منه الوحشة . [ ص: 553 ]

                                                                                      علي بن المديني حدثنا هشام بن يوسف ، أخبرني داود بن قيس ، قال : كان لي صديق يقال له أبو شمر ذو خولان ، فخرجت من صنعاء أريد قريته ، فلما دنوت منها وجدت كتابا مختوما إلى أبي شمر ، فجئته فوجدته مهموما حزينا ، فسألته عن ذلك فقال : قدم رسول من صنعاء ، فذكر أن أصدقاء لي كتبوا لي كتابا فضيعه الرسول ، قلت : فهذا الكتاب . فقال : الحمد لله ; ففضه فقرأه ، فقلت : أقرئنيه ، فقال : إني لأستحدث سنك . قلت : فما فيه ؟ قال : ضرب الرقاب . قلت : لعله كتبه إليك ناس حرورية في زكاة مالك . قال : من أين تعرفهم ؟ قلت : إني وأصحابا لي نجالس وهب بن منبه ، فيقول لنا : احذروا أيها الأحداث الأغمار هؤلاء الحروراء لا يدخلونكم في رأيهم المخالف ; فإنهم عرة لهذه الأمة . فدفع إلي الكتاب فقرأته فإذا فيه : سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله ، ونوصيك بتقواه ; فإن دين الله رشد وهدى ، وإن دين الله طاعة الله ومخالفة من خالف سنة نبيه ، فإذا جاءك كتابنا ، فانظر أن تؤدي - إن شاء الله - ما افترض الله عليك من حقه ، تستحق بذلك ولاية الله ، وولاية أوليائه والسلام .

                                                                                      قلت له : فإني أنهاك عنهم . قال : فكيف أتبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك ؟ قلت : فتحب أن أدخلك على وهب حتى تسمع قوله ؟ قال : نعم .

                                                                                      فنزلنا إلى صنعاء ، فأدخلته على وهب - ومسعود بن عوف وال على اليمن من قبل عروة بن محمد فوجدنا عند وهب - نفرا ، فقال لي بعض النفر : من هذا الشيخ ؟ قلت : له حاجة ، فقام القوم ، فقال وهب : ما حاجتك يا ذا خولان ؟ فهرج وجبن ، فقال لي وهب : عبر عنه . قلت : إنه من أهل [ ص: 554 ] القرآن والصلاح ، والله أعلم بسريرته ، فأخبرني أنه عرض له نفر من أهل حروراء فقالوا له : زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزئ عنك ; لأنهم لا يضعونها في مواضعها فأدها إلينا ، ورأيت يا أبا عبد الله أن كلامك أشفى له من كلامي .

                                                                                      فقال : يا ذا خولان ، أتريد أن تكون بعد الكبر حروريا تشهد على من هو خير منك بالضلالة ؟ فماذا أنت قائل لله غدا حين يقفك الله ؟ ومن شهدت عليه ، فالله يشهد له بالإيمان ، وأنت تشهد عليه بالكفر ، والله يشهد له بالهدى ، وأنت تشهد عليه بالضلالة ، فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله ، وشهادتك شهادة الله ؟ أخبرني يا ذا خولان ، ماذا يقولون لك ؟ فتكلم عند ذلك ، وقال لوهب : إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم ولا أستغفر إلا له . فقال : صدقت ، هذه محنتهم الكاذبة .

                                                                                      فأما قولهم في الصدقة ، فإنه قد بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها " أفإنسان ممن يعبد الله يوحده ولا يشرك به أحب إلى الله أن يطعمه من جوع ، أو هرة ! ؟ والله يقول : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا الآيات .

                                                                                      وأما قولهم : لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم ، أهم خير أم الملائكة ، والله يقول : ويستغفرون لمن في الأرض فوالله ما فعلت الملائكة ذلك حتى أمروا به : لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وجاء ميسرا : ويستغفرون للذين آمنوا .

                                                                                      يا ذا خولان ، إني قد أدركت صدر الإسلام ، فوالله ما كانت الخوارج [ ص: 555 ] جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم ، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه ، ولو مكن الله لهم من رأيهم لفسدت الأرض ، وقطعت السبل والحج ، ولعاد أمر الإسلام جاهلية ، وإذا لقام جماعة ، كل منهم يدعو إلى نفسه الخلافة ، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف ، يقاتل بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالكفر ، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله ، لا يدري مع من يكون ، قال تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض .

                                                                                      وقال : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فلو كانوا مؤمنين لنصروا .

                                                                                      وقال : وإن جندنا لهم الغالبون ألا يسعك يا ذا خولان من أهل القبلة ما وسع نوحا من عبدة الأصنام ، إذ قال له قومه : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون .

                                                                                      إلى أن قال : فقال ذو خولان : فما تأمرني ؟ قال : انظر زكاتك فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة ، وجمعهم عليه ; فإن الملك من الله وحده وبيده ، يؤتيه من يشاء ، فإذا أديتها إلى والي الأمر برئت منها ، وإن كان فضل فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك والضيف . فقال : اشهد أني نزلت عن رأي الحرورية .

                                                                                      وفي " العقل " لابن المحبر ذكر صفات حميدة للعاقل نحوا من ستين سطرا فيها مائة خصلة .

                                                                                      وعن وهب قال : احتمال الذل خير من انتصار يزيد صاحبه قمأة .

                                                                                      وقد امتحن وهب وحبس وضرب ، فروى حبان بن زهير العدوي ، قال : [ ص: 556 ] حدثني أبو الصيداء صالح بن طريف ، قال : لما قدم يوسف بن عمر العراق بكيت وقلت : هذا الذي ضرب وهب بن منبه حتى قتله .

                                                                                      يعني لما ولي إمرة اليمن ، ثم نقله الخليفة هشام إلى إمرة العراق - وكان جبارا عنيدا مهيبا - كان سماطه بالعراق فيما حكى المدائني كل يوم خمسمائة مائدة ، أبعد الموائد وأقربها سواء في الجودة ، ثم إنه عزل عن العراق عند مقتل الوليد الفاسق ، ثم ضربت عنقه - ولله الحمد - في سنة سبع وعشرين ومائة

                                                                                      قلت : لا شيء في " الصحيحين " لوهب بن منبه سوى حديث واحد أنبأناه ابن قدامة ، أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا ابن مالك ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن ابن منبه ، عن أخيه ، سمعت أبا هريرة يقول : ليس أحد أكثر حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني إلا عبد الله بن عمرو ; فإنه كان يكتب ، وكنت لا أكتب .

                                                                                      قال الواقدي ، وكاتبه وشباب ، وأبو عبيد ، وعبد المنعم بن إدريس : مات سنة عشر ومائة .

                                                                                      وقال والد عبد الرزاق ، وعبد الصمد بن معقل ، ومعاوية بن صالح : مات سنة أربع عشرة ومائة . زاد عبد الصمد : في المحرم . [ ص: 557 ]

                                                                                      وقيل : مات في ذي الحجة سنة ثلاث عشرة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية