الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      مكحول ( م ، 4 )

                                                                                      عالم أهل الشام ، يكنى أبا عبد الله ، وقيل : أبو أيوب ، وقيل : أبو مسلم الدمشقي الفقيه ، وداره بطرف سوق الأحد . [ ص: 156 ] أرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث ، وأرسل عن عدة من الصحابة لم يدركهم ، كأبي بن كعب ، وثوبان ، وعبادة بن الصامت ، وأبي هريرة ، وأبي ثعلبة الخشني ، وأبي جندل بن سهيل ، وأبي هند الداري ، وأم أيمن ، وعائشة ، وجماعة .

                                                                                      وروى أيضا عن طائفة من قدماء التابعين ، ما أحسبه لقيهم ، كأبي مسلم الخولاني ومسروق ، ومالك بن يخامر . وحدث عن واثلة بن الأسقع ، وأبي أمامة الباهلي ، وأنس بن مالك ، ومحمود بن الربيع ، وشرحبيل بن السمط ، وسعيد بن المسيب ، وعبد الله بن محيريز ، وجبير بن نفير ، وأم الدرداء ، وطاوس ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وكثير بن مرة ، وأبي إدريس الخولاني ، وأبي أسماء الرحبي ، ووقاص بن ربيعة ، وكريب ، وغضيف بن الحارث ، وعنبسة بن أبي سفيان ، ويبعد أنه لقيه ، وأبي سلام الأسود ، وأبي الشمال بن ضباب ، وأبي مرة الطائفي ، وقبيصة بن ذؤيب ، وقزعة بن يحيى ، وعبد الرحمن بن غنم ، وينزل إلى أن يروي عن عمرو بن شعيب ونحوه .

                                                                                      حدث عنه الزهري ، وربيعة الرأي ، وزيد بن واقد ، وسليمان بن موسى ، وأيوب بن موسى ، وعامر الأحول ، وقيس بن سعد ، وابن عون ، وابن عجلان ، وإسماعيل بن أمية ، وبحير بن سعيد ، وثابت بن ثوبان ، وبرد بن سنان ، وتميم بن عطية ، وثور بن يزيد ، وصفوان بن عمرو ، ومحمد بن الوليد الزبيدي ، ويزيد بن يزيد بن جابر ، ومحمد بن إسحاق ، وحجاج بن أرطاة ، وعبد الله بن العلاء بن زبر ، وسعيد بن عبد العزيز ، وأبو معيد حفص بن غيلان ، وأبو عمرو الأوزاعي وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، وعبد القدوس بن حبيب ، وعكرمة بن عمار ، وعلي بن أبي [ ص: 157 ] حملة ، ومحمد بن راشد المكحولي ، ومحمد بن عبد الله الشعيثي ، ومعاوية بن يحيى الصدفي ، وهشام بن الغاز ، وخلق سواهم ، ذكرهم صاحب " التهذيب " شيخنا وذكر فيهم : الهيثم بن حميد ، فوهم ، وإنما روى عن أصحاب مكحول ، وكان يفتي بقوله ويدريه .

                                                                                      واختلف في ولاء مكحول ، فقيل : مولى امرأة هذلية ، وهو أصح ، وقيل : مولى امرأة أموية ، وقيل كان لسعيد بن العاص فوهبه للهذلية فأعتقته ، وكان نوبيا ، وقيل من سبي كابل وقيل : من الأبناء ولم يملك ، وليس هذا بشيء ، وقيل : أصله من هراة ، وهو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل بن سند بن شروان بن يزدك بن يغوث بن كسرى ، وأن مكحولا سبي من كابل .

                                                                                      عداده في أوساط التابعين ، من أقران الزهري . قال أبو مسهر : لم يسمع من عنبسة . وسئل أبو مسهر : هل سمع من الصحابة ؟ قال : سمع من أنس . قال أبو حاتم : فقلت لأبي مسهر : هل سمع من أبي هند الداري يقول : سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟ فكأنه لم يلتفت إلى ذلك ، فقلت له : فواثلة بن الأسقع ؟ .

                                                                                      قال : من ؟ فقلت : حدثنا أبو صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول قال : دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة . فكأنه أومأ برأسه .

                                                                                      قال ابن وهب ، عن معاوية ، عن العلاء ، عن مكحول قال : دخلت على [ ص: 158 ] واثلة بن الأسقع . وقال أبو عيسى الترمذي : سمع من واثلة وأنس وأبي هند ، يقال : لم يسمع من أحد من الصحابة سوى هؤلاء الثلاثة .

                                                                                      يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق سمعت مكحولا يقول : طفت الأرض كلها في طلب العلم .

                                                                                      قلت : هذا القول منه على سبيل المبالغة لا على حقيقته .

                                                                                      أبو وهب الكلاعي اسمه عبد الله بن عبيد ، فيما رواه يحيى بن حمزة القاضي عنه ، عن مكحول قال : عتقت بمصر ، فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت العراق ، فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت المدينة ، فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه ، ثم أتيت الشام فغربلتها ، كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني عنه ، حتى مررت بشيخ من بني تميم يقال له : زياد بن جارية جالسا على كرسي ، فسألته فقال : حدثني حبيب بن مسلمة قال : شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفل في البداءة الربع ، وفي الرجعة الثلث .

                                                                                      إبراهيم بن عبد الله بن العلاء ، عن أبيه ، عن الزهري قال : العلماء أربعة : سعيد بن المسيب بالمدينة ، والشعبي بالكوفة ، والحسن بالبصرة ، ومكحول بالشام . [ ص: 159 ]

                                                                                      وقال سعيد بن عبد العزيز : كان سليمان بن موسى يقول : إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه ، وإذا جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه ، وإذا جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران ، قبلناه ، وإذا جاءنا من العراق عن الحسن ، قبلناه ، هؤلاء الأربعة علماء الناس في خلافة هشام .

                                                                                      وروى مروان بن محمد ، عن سعيد بن عبد العزيز قال : كان مكحول أفقه من الزهري ، مكحول أفقه أهل الشام .

                                                                                      وقال عثمان بن عطاء : كان مكحول رجلا أعجميا لا يستطيع أن يقول : قل ، يقول : كل ، فكل ما قال بالشام قبل منه .

                                                                                      وروى أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال : لم يكن في زمن مكحول أبصر بالفتيا منه .

                                                                                      وقال محمد بن عبد الله بن عمار : مكحول إمام أهل الشام . وقال العجلي : تابعي ثقة . وقال ابن خراش : صدوق يرى القدر .

                                                                                      وروى مروان بن محمد ، عن الأوزاعي قال : لم يبلغنا أن أحدا من التابعين تكلم في القدر إلا هذين الرجلين : الحسن ومكحولا ، فكشفنا عن ذلك ، فإذا هو باطل ، قلت : يعني رجعا عن ذلك .

                                                                                      قال أبو حاتم : ما بالشام أحد أفقه من مكحول . قال ابن يونس : ذكر أن مكحولا من أهل مصر ، ويقال : كان لرجل من هذيل مصري فأعتقه ، فسكن الشام ويقال : إنه من الفرس من السبي الذين سبوا من فارس ، ويكنى أبا مسلم . وكان فقيها عالما ، ورأى أبا أمامة وأنسا ، وسمع واثلة بن الأسقع .

                                                                                      وفاته مختلف فيها . فقال أبو نعيم ودحيم وجماعة : سنة اثنتي عشرة ومائة ، وقال أبو مسهر : مات سنة ثلاث عشرة ، وقال مرة : بعد سنة اثنتي عشرة . [ ص: 160 ]

                                                                                      وقال مرة : أو سنة أربع عشرة وقال سليمان ابن بنت شرحبيل وأبو عبيد : مات سنة ثلاث عشرة ، وقال محمد بن سعد : مات سنة ست عشرة ومائة ، وقال ابن يونس وآخر : سنة ثماني عشرة ومائة ، وهذا بعيد .

                                                                                      أما

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية