الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عمرو بن الحارث ( ع )

                                                                                      ابن يعقوب بن عبد الله ، العلامة الحافظ ، الثبت أبو أمية الأنصاري ، السعدي ، مولاهم المدني الأصل ، المصري . عالم الديار المصرية ومفتيها مولى قيس بن سعد بن عبادة .

                                                                                      ولد بعد التسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وروى عن ابن أبي [ ص: 350 ] مليكة ، وأبي يونس ، مولى أبي هريرة ، وعمرو بن شعيب ، وأبي عشانة المعافري ، وابن شهاب ، وأبي الزبير ، وقتادة ، وعبدة بن أبي لبابة ، ويزيد بن أبي حبيب ، وعبيد الله بن أبي جعفر ، وكعب بن علقمة ، ويزيد بن عبد الله بن قسيط ، وبكر بن سوادة ، وبكير بن الأشج ، وثمامة بن شفي ، وجعفر بن ربيعة ، وأبيه الحارث ، والجلاح أبي كثير ، وحبان بن واسع ، وزيد بن أسلم ودراج أبي السمح ، وربيعة الرأي ، وزيد بن أبي أنيسة ، وسالم أبي النضر ، وسعيد بن الحارث الأنصاري ، وسعيد بن أبي هلال ، وعامر بن يحيى المعافري ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعمرو بن دينار ، وعمارة بن غزية وهشام بن عروة ، وخلق كثير . وبرع في العلم ، واشتهر اسمه .

                                                                                      حدث عنه : قتادة شيخه ، وبكير بن عبد الله بن الأشج شيخه أيضا . وقيل : إن مجاهد بن جبر روى عنه ، وهذا وهم لا يسوغ . وحدث عنه صالح بن كيسان وهو أكبر منه ، وأسامة بن زيد الليثي وهو من طبقته وأسن ، ومالك والليث ، وبكر بن مضر ، ويحيى بن أيوب ، وموسى بن أعين ، ونافع بن يزيد ، وابن وهب ، ومحمد بن شعيب بن شابور . ولم يشخ ، إنما مات في الكهولة .

                                                                                      قال ابن سعد : كان ثقة إن شاء الله . وقال أبو داود : سمعت أحمد -رضي الله عنه- يقول : ليس فيهم -يعني أهل مصر - أصح حديثا من الليث ، وعمرو بن الحارث يقاربه . وقال الأثرم ، عن أحمد : ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث ، لا عمرو بن الحارث ولا أحد ، وقد كان عمرو عندي ، ثم رأيت له أشياء مناكير ، وقال في موضع آخر : عن أحمد : عمرو بن الحارث حمل حملا شديدا ، يروي عن قتادة أحاديث يضطرب فيها ويخطئ . وقال ابن [ ص: 351 ] معين من طريق الكوسج ، وأبو زرعة ، والعجلي ، والنسائي ، وطائفة : ثقة .

                                                                                      قال يعقوب بن شيبة : كان يحيى بن معين يوثقه جدا . وقال النسائي : الذي يقول مالك في كتابه : الثقة عن بكير يشبه أن يكون عمرو بن الحارث . وروى عمرو بن سواد ، عن ابن وهب قال : سمعت من ثلاثمائة شيخ وسبعين شيخا فما رأيت أحدا أحفظ من عمرو بن الحارث ، وذلك أنه كان قد جعل على نفسه أنه يحفظ كل يوم ثلاثة أحاديث .

                                                                                      وقال ابن وهب : حدثنا عبد الجبار بن عمر قال : قال ربيعة : لا يزال بذلك المصر علم ما دام بها ذلك القصير . يعني عمرو بن الحارث - . حرملة عن ابن وهب قال : اهتدينا في العلم بأربعة : اثنان بمصر ، واثنان بالمدينة . عمرو بن الحارث والليث بن سعد بمصر ، ومالك وابن الماجشون بالمدينة ، لولا هؤلاء لكنا ضالين .

                                                                                      قلت : بل لولا الله لكنا ضالين . اللهم لولا أنت ما اهتدينا .

                                                                                      وقال أحمد بن يحيى بن وزير ، عن ابن وهب قال : لو بقي لنا عمرو بن الحارث ما احتجنا إلى مالك .

                                                                                      هارون بن معروف ، عن ابن وهب قال : قال عبد الرحمن بن مهدي : اكتب لي من أحاديث عمرو بن الحارث فكتبت له مائتي حديث وحدثته بها .

                                                                                      وروى شعيب بن الليث ، عن أبيه قال : كان بين عمرو بن الحارث وبين أبيه الحارث بن يعقوب كما بين السماء والأرض في الفضل . فالحارث أفضل . وكان بينه وبين أبيه يعقوب في الفضل كما بين السماء والأرض .

                                                                                      وقال أبو حاتم الرازي : كان عمرو أحفظ أهل زمانه . لم يكن له نظير في الحفظ في زمانه . وقال سعيد بن عفير : كان أخطب أهل زمانه ، وأبلغهم ، وأرواهم للشعر . وقال مصعب الزبيري : أخرجه صالح بن علي الهاشمي من [ ص: 352 ] المدينة إلى مصر مؤدبا لبنيه . قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه " : كان فقيها أديبا ، أدب لولد صالح بن علي . وروى عباس ، عن يحيى قال : كان يعلم ولد صالح بن علي ، وكان سيئ الحال ، فلما علمهم صلح حاله ، صار يلبس الوشي والخز . وروى يحيى بن بكير عن الليث قال : كنت أرى عمرو بن الحارث عليه أثواب بدينار : قميصه ورداؤه وإزاره ، ثم لم تمض الأيام والليالي حتى رأيته يجر الوشي والخز ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                      عمر بن شبة قال لي محمد بن منصور قال عمرو بن الحارث : الشرف شرفان : شرف العلم ، وشرف السلطان ، وشرف العلم أشرفهما .

                                                                                      قال أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين : سمعت أحمد بن صالح -وذكر الليث - فقال : إمام قد أوجب الله -تعالى- علينا حقه . فقلت له : الليث إمام ؟ قال : نعم لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثل الليث . وقال أبو عبد الله بن الأجرم الحافظ : عمرو بن الحارث غزير عزيز الحديث جدا مع علمه وثبته ، وقلما يخرج حديثه من مصر . قال الحافظ أبو بكر الخطيب : كان قارئا ، فقيها ، مفتيا ، ثقة . وقال ابن ماكولا : كان قارئا ، مفتيا ، أفتى في زمن يزيد بن أبي حبيب ، وعبيد الله بن أبي جعفر ، وكان أديبا فصيحا .

                                                                                      قال يحيى بن بكير : ولد سنة إحدى -أو اثنتين- وتسعين . وقال سعيد بن عفير : سنة اثنتين . وقال ابن يونس : ولد سنة ثلاث . وقال الخطيب والأمير : ولد سنة أربع . وقال أبو داود : عاش ثمانيا وخمسين سنة . قال ابن عفير ويحيى بن بكير ، وأحمد بن صالح ، وابن يونس وغيرهم : مات سنة ثمان وأربعين ومائة . زاد ابن يونس : في شوال .

                                                                                      وقال ابن سعد ، ويعقوب السدوسي : مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة . وكذا قال أبو عبيد . وروى الغلابي عن يحيى بن معين : مات سنة [ ص: 353 ] تسع وأربعين ومائة .

                                                                                      قلت : الصحيح وفاته في شوال من سنة ثمان . مات معه الأعمش وجماعة من الكبار .

                                                                                      قال سعيد بن أبي مريم ، عن خاله قال : كان عمرو بن الحارث المصري ، يخرج من داره فيرى الناس صفوفا يسألونه عن القرآن ، والحديث ، والفقه ، والشعر ، والعربية والحساب . وكان صالح بن علي الأمير قد جعله مؤدبا لولده الفضل ، فنال حشمة بذلك . وقال ابن وهب : ما رأيت أحفظ من عمرو . وقال النسائي : عمرو بن الحارث أحفظ من ابن جريج .

                                                                                      أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ، وإسماعيل بن عبد الرحمن قراءة قالا : أنبأنا الحسن بن صياح المخزومي ، أنبأنا عبد الله بن رفاعة ، أنبأنا علي بن الحسن القاضي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر البزاز ، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن قتادة حدثه عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت ، فطاف به صلى الله عليه وسلم هذا حديث صحيح من العوالي . وعندي بهذا الإسناد إلى عمرو عدة أحاديث ، ولا يقع حديثه أعلى من هذا ، ولا يقع في كتاب من الكتب الستة إلا بواسطة اثنين ، حتى في " مسند أحمد " بينه وبينه رجلان .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية