الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عمرو بن دينار

                                                                                      الإمام الكبير الحافظ أبو محمد الجمحي مولاهم المكي الأثرم ، أحد الأعلام وشيخ الحرم في زمانه . ولد في إمرة معاوية سنة خمس أو ست وأربعين .

                                                                                      وسمع من ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن جعفر ، وأبي الطفيل وغيرهم من الصحابة . [ ص: 301 ] ذكره الحاكم في كتاب " مزكي الأخبار " فقال : هو من كبار التابعين كذا قال ، ولم يصب . فإن كبار التابعين علقمة والأسود ، وقيس بن أبي حازم ، وعبيد بن عمير المكي ، وسعيد بن المسيب ، وكثير بن مرة ، وأبو إدريس الخولاني ، وأمثالهم ، وأوساط التابعين ، كعروة ، والقاسم ، وطاوس ، والحسن ، وابن سيرين ، وعطاء بن أبي رباح ، فبالجهد حتى يعد عمرو بن دينار في هذه الطبقة ، وإلا فالأولى أنه من طبقة تابعة لهم ، كثابت البناني ، وأبي إسحاق السبيعي ، ومكحول ، وأبي قبيل المعافري ونحوهم إلا أن يكون أبو عبد الله عنى بقوله : إنه من كبارهم في الفضل والجلالة فهذا ممكن . ثم قال : وكان من الحفاظ المقدمين . أفتى بمكة ثلاثين سنة .

                                                                                      سمع ابن عمر ، وابن عباس ، وجابرا ، وابن الزبير ، وأبا سعيد ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن عمرو ، وأبا هريرة ، وزيد بن أرقم ، وأنسا ، والمسور بن مخرمة ، وأبا الطفيل . قلت : وسمع بجالة بن عبدة ، وعبيد بن عمير الليثي ، وعبد الرحمن بن مطعم ، وأبا الشعثاء جابر بن زيد ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن ، وطاوسا ، وسعيد بن جبير وعدة ، وينزل إلى أبي جعفر الباقر ونحوه ، وروايته عن أبي هريرة جاءت في سنن ابن ماجه . وقال أبو زرعة : لم يسمع من أبي هريرة . وكان من أوعية العلم ، وأئمة الاجتهاد .

                                                                                      حدث عنه ابن أبي مليكة وهو أكبر منه ، وقتادة بن دعامة ، والزهري ، وأيوب السختياني وعبد الله بن أبي نجيح ، وجعفر الصادق ، وعبد الملك بن ميسرة ، وابن جريج وشعبة ، وسفيان الثوري ، والحمادان . وورقاء بن عمر ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وإبراهيم بن طهمان ، وروح بن القاسم ، وزمعة بن صالح ، وسليمان بن كثير ، وعمرو بن الحارث ، ومعقل [ ص: 302 ] بن عبيد الله ، وهشيم ، وأبو عوانة ، وأبو الربيع السمان ، وسفيان بن عيينة ، وخلق كثير . وقيل : إن نافعا مولى ابن عمر يروي عنه .

                                                                                      قال شعبة : ما رأيت في الحديث أثبت من عمرو بن دينار ، وقال ابن عيينة : كان عمرو لا يدع إتيان المسجد ، كان يحمل على حمار ما ركبه إلا وهو مقعد ، وكان يقول : أحرج على من يكتب عني فما كتبت عن أحد شيئا ، كنت أتحفظ .

                                                                                      قال : وكان يحدث بالمعنى ، وكان فقيها -رحمه الله .

                                                                                      قال عبد الله بن أبي نجيح : ما رأيت أحدا قط أفقه من عمرو بن دينار ، لا عطاء ولا مجاهدا ولا طاوسا .

                                                                                      وقال ابن عيينة : عمرو ثقة ثقة ثقة ، قال : كان عمرو من أبناء الفرس . قال يحيى بن معين : أهل المدينة لا يرضون عمرا يرمونه بالتشيع ، والتحامل على ابن الزبير ، ولا بأس به ، هو بريء مما يقولون .

                                                                                      قال عبد الله بن محمد الزهري : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لم يكن بأرضنا أعلم من عمرو بن دينار ولا في جميع الأرض .

                                                                                      وقال إسحاق بن منصور السلولي : حدثنا ابن عيينة ، قال أبو جعفر : إنه ليزيدني في الحج رغبة لقاء عمرو بن دينار .

                                                                                      روى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، عن سفيان ، قال : كان عمرو بن دينار : جزأ الليل ثلاثة أجزاء ، ثلثا ينام ، وثلثا يدرس حديثه ، وثلثا يصلي . هارون بن معروف ، حدثنا سفيان ، قلت لمسعر : من رأيت أشد تثبتا في الحديث ممن رأيت ؟ قال : ما رأيت مثل القاسم بن عبد الرحمن ، وعمرو بن دينار .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : كان شعبة لا يقدم على عمرو بن دينار أحدا لا الحكم [ ص: 303 ] ولا غيره في الثبت ، قال : وكان عمرو مولى هؤلاء ، ولكن الله شرفه بالعلم .

                                                                                      علي بن المديني : حدثنا سفيان ، قال : رأيت مالكا وعبيد الله بن عمر جاءا إلى عمرو بن دينار ، فقال لعبيد الله : ما فعل مولاكم ثابت ؟ يعني : الأعرج ؟ فقال : هو حي . قال : فذكر قصة طلاق المكره ، قال سفيان : فسمعناه بعد ذلك منه .

                                                                                      قال سفيان : أدركنا عمرا وقد سقطت أسنانه ما هي إلا ناب ، فلولا أنا أطلنا مجالسته لم نفهم كلامه .

                                                                                      قال ابن أبي عمر : سمعت سفيان يقول : ما كان أثبت عمرو بن دينار . إبراهيم بن بشار ، عن سفيان ، قال : قيل لإياس بن معاوية : أي أهل مكة رأيت أفقه ؟ قال : أسوؤهم خلقا عمرو بن دينار الذي كنت إذا سألته عن حديث يقلع عينه .

                                                                                      قال ابن بشار : وسمعت سفيان ، يقول : كان عمرو بن دينار إذا بدأ بالحديث جاء به صحيحا مستقيما ، وإذا سئل عن حديث ، استلقى وقال : بطني بطني . نعيم بن حماد : حدثنا ابن عيينة ، قال : ما كان عندنا أحد أفقه من عمرو بن دينار ، ولا أعلم ، ولا أحفظ منه .

                                                                                      إسحاق السلولي : حدثنا عمرو بن ثابت ، سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر يقول : إنه ليزيدني في الحج رغبة لقاء عمرو بن دينار ، فإنه يحبنا ويفيدنا .

                                                                                      وقال ابن عيينة : قلت لعمرو بن دينار : يا أبا محمد ، أبو صالح سمعت به قال : لا ، ومن يدري من أبو صالح ؟ قال الحاكم : عنى بهذا الذي يروي عنه الكلبي ، عن ابن عباس .

                                                                                      إسماعيل بن إسحاق الطالقاني : سمعت ابن عيينة ، يقول : قالوا لعطاء : بمن تأمرنا ؟ قال : بعمرو بن دينار .

                                                                                      [ ص: 304 ] عباس الدوري ، عن يحيى ، حدثني سفيان ، قال : قال عمرو بن دينار : جئت إلى أبي جعفر وليس معي أحد ، فقال لأخويه زيد وأخ له : قوما إلى عمكما فأنزلاه ، فقاما إلي فنزلاني . وكان ابن عيينة ، يقول : سمعت من عمرو ما لبث نوح في قومه . يريد ألفا إلا خمسين حديثا .

                                                                                      وروى عبد الرزاق ، عن معمر قال : كان عمرو بن دينار إذا جاءه رجل يريد أن يتعلم منه لم يحدثه ، وإذا جاء إليه الرجل ، مازحه وحدثه ، وألقى إليه الشيء ، انبسط إليه وحدثه وقال النسائي : عمرو ثقة ثبت .

                                                                                      وروى علي بن الحسن ، عن ابن عيينة ، قال : مرض عمرو بن دينار فعاده الزهري ، فلما قام الزهري ، قال : ما رأيت شيخا أنص للحديث الجيد من هذا الشيخ .

                                                                                      قلت : وقد روى عمرو عن الزهري وهو عنه .

                                                                                      قال يحيى القطان وأحمد بن حنبل : عمرو أثبت من قتادة ، وقال أحمد : هو أثبت الناس في عطاء ، يعني : ابن أبي رباح ، وعمرو يروي أيضا عن عطاء بن ميناء ، وعن عطاء بن يسار ، وذلك في صحيح مسلم .

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق قراءة ، أنبأنا الفتح بن عبد الله ببغداد ( ح ) وأنبأنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه ، أنبأنا محمد بن علي بن الجلاجلي سنة ثمان وستمائة ، قالا : أنبأنا هبة الله بن الحسين ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور البزاز ، حدثنا عيسى بن علي إملاء ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو ، عن جابر ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : الحرب خدعة .

                                                                                      [ ص: 305 ] وبه قرئ على أبي القاسم البغوي ، وأنا أسمع ، قيل له : حدثكم عمرو بن محمد الناقد ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء ، وأحمد بن عبد الحميد ، وأحمد بن محمد بن المجاهد ، ونصر الله بن عياش ، وعلي بن بقاء ، وعمر بن محمد الفارسي ، وأحمد بن عبد الرحمن ، وعبد الدائم الوزان ، ومحمد بن علي بن الواسطي ، وأحمد بن عزيز ، ومحمد بن قايماز ، وعلي بن محمد الفقيه وعدة ، قالوا : أنبأنا الحسين بن مبارك وعبد الله بن عمر الحريمي وزاذان الواسطي ، فقال : وأنبأنا موسى بن عبد القادر حضورا ، وأنبأنا أبو محمد بن قوام ، ويوسف بن أبي نصر ، وعلي بن عثمان ، ومحمد بن خازم ، ومحمد بن هاشم ، وعمر بن عبد الدائم ، وسونج بن محمد ، وفاطمة الآمدية ، وخديجة المراتبية ، وهدية بنت عبد الحميد وطائفة ، قالوا : أنبأنا الحسين بن المبارك ( ح ) وأنبأنا محمد بن أبي الذكر ، وموسى بن قاسم ، وعمر بن أبي الفتوح بالقاهرة ، ويوسف العادلي ، وحسن الخلالي ، ومحمود السلطاني ، وعبد الرحمن الدير قانوني ، وعلي بن مطر ، وأحمد بن سعد ، وعيسى بن بركة ، وأحمد بن مكتوم وعبد [ ص: 306 ] المنعم بن عساكر ، ومحمد بن يوسف الحسامي ، وأبو حامد المكبر ، وعبد العزيز بن محمد المعدل ، وأحمد بن إبراهيم الدباغ ، وأبو الحزم ، وأبو بكر ، أنبأنا عثمان السنبوسكي ، وإبراهيم بن عنبر ، وسنقر الحلبي ، وخديجة بنت غنيمة ، وابن السخنة ، وخلق سواهم ، قالوا : أنبأنا عبد الله بن عمر ( ح ) وأنبأنا أحمد بن إسحاق الهمداني ، أنبأنا الحسن بن المبارك ، ونفيس بن كرم ، وعبد اللطيف بن عساكر ( ح ) وأنبأنا عبد الحافظ بن بدران ، أنبأنا موسى بن عبد القادر ، والحسين بن المبارك ، قالوا ستتهم : أنبأنا أبو الوقت السجزي ، أنبأنا محمد بن أبي مسعود الفارسي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد بن أبي شريح ، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي ببغداد ، حدثنا أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي إملاء سنة سبع وعشرين ومائتين ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- قال : أخبرني من شهد معاذا - رضي الله عنه - حين حضرته الوفاة ، يقول : اكشفوا عني سجف القبة ، فإني سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا ، سمعته يقول : من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وثبتا من قلبه ، دخل الجنة ، ولم تمسه النار .

                                                                                      أخبرنا أبو الغنائم بن محاسن المعمار قراءة ، أنبأنا جدي لأمي أبو بكر عبد الله بن أبي نصر قاضي حران ، أنبأنا عيسى بن أحمد الدوشابي ( ح ) وأنبأنا أحمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا عبد الرحمن بن نجم ، وأخبرتنا ست الأهل بنت الناصح ، أنبأنا [ ص: 307 ] البهاء عبد الرحمن ، قالا : أخبرتنا فخر النساء شهدة ، قالا : أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن علي ، أنبأنا عبد الله بن يحيى السكري قرئت على إسماعيل بن محمد ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : قال عمرو : قال ابن عباس : نكاح الحرة على الأمة طلاق الأمة .

                                                                                      روى البخاري عن ابن المديني ، قال : لعمرو نحو أربعمائة حديث .

                                                                                      قلت : قد مر أن ابن عيينة وحده قد سمع منه تسعمائة وخمسين حديثا ، فلعل عليا عنى المسند فقط .

                                                                                      أبو سلمة ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، قال : جالست جابرا ، وابن عمر ، وابن عباس وقد وثقه أبو زرعة ، وأبو حاتم .

                                                                                      قال نعيم بن حماد : سمعت سفيان يقول : قال لي عمرو بن دينار : مثلك حفظت الحديث ، وكنت صغيرا . قال : وبلغه أني أكتب فشق ذلك عليه .

                                                                                      وروى الأزرق بن حسان ، عن شعيب بن حرب ، سمعت شعبة يقول : جلست إلى عمرو بن دينار خمسمائة مجلس ، فما حفظت عنه سوى مائة حديث في كل خمسة مجالس حديثا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية