الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عامر بن عبد قيس

                                                                                      القدوة الولي الزاهد أبو عبد الله ، ويقال : أبو عمرو التميمي ، العنبري ، البصري .

                                                                                      روى عن عمر وسلمان . وعنه : الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم ، وقلما روى .

                                                                                      قال العجلي : كان ثقة من عباد التابعين ، رآه كعب الأحبار فقال : هذا راهب هذه الأمة .

                                                                                      وقال أبو عبيد في " القراءات " : كان عامر بن عبد الله -الذي يعرف بابن عبد قيس - يقرئ الناس .

                                                                                      حدثنا عباد : عن يونس ، عن الحسن ، أن عامرا كان يقول : من أقرئ؟ فيأتيه ناس ، فيقرئهم [ القرآن ] ثم يقوم فيصلي إلى الظهر ، ثم يصلي [ ص: 16 ] إلى العصر ، ثم يقرئ الناس إلى المغرب ، ثم يصلي ما بين العشاءين ثم ينصرف إلى منزله ، فيأكل رغيفا ، وينام نومة خفيفة ، ثم يقوم لصلاته ، ثم يتسحر رغيفا ويخرج .

                                                                                      قال بلال بن سعد : وشي بعامر بن عبد قيس إلى زياد ، فقالوا : هاهنا رجل قيل له : ما إبراهيم -عليه السلام- خيرا منك فسكت ، وقد ترك النساء . فكتب فيه إلى عثمان ، فكتب إليه : انفه إلى الشام على قتب . فلما جاءه الكتاب ، أرسل إلى عامر ، فقال : أنت قيل لك : ما إبراهيم خيرا منك فسكت؟ ! قال : أما والله ، ما سكوتي إلا تعجب ، ولوددت أني غبار قدميه .

                                                                                      قال : وتركت النساء؟ قال : والله ما تركتهن إلا أني قد علمت أنه يجيء الولد وتشعب في الدنيا ، فأحببت التخلي . فأجلاه على قتب إلى الشام ، فأنزله معاوية معه في الخضراء وبعث إليه بجارية ، وأمرها أن تعلمه ما حاله . فكان يخرج من السحر ، فلا تراه إلا بعد العتمة فيبعث معاوية إليه بطعام ، فلا يعرض له ، ويجيء معه بكسر ، فيبلها ويأكل ، ثم يقوم إلى أن يسمع النداء فيخرج ، فكتب معاوية إلى عثمان يذكر حاله . فكتب : اجعله أول داخل وآخر خارج ، ومر له بعشرة من الرقيق ، وعشرة من الظهر ، فأحضره وأخبره ، فقال : إن علي شيطانا قد غلبني ; فكيف أجمع علي عشرة . وكانت له بغلة .

                                                                                      [ ص: 17 ] فروى بلال بن سعد ، عمن رآه بأرض الروم عليها ، يركبها عقبة ، ويحمل المهاجرين عقبة قال بلال : كان إذا فصل غازيا يتوسم من يرافقه ، فإذا رأى رفقة تعجبه ، اشترط عليهم أن يخدمهم ، وأن يؤذن ، وأن ينفق عليهم طاقته ، رواه ابن المبارك بطوله في " الزهد " : له .

                                                                                      همام : عن قتادة ، قال : كان عامر بن عبد قيس يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه ، فكان لا يبالي أذكرا لقي أم أنثى . وسأل ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه . وقيل : إن ذلك ذهب عنه .

                                                                                      وعن أبي الحسين المجاشعي ، قال : قيل لعامر بن عبد قيس : أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال : أحدثها بالوقوف بين يدي الله ، ومنصرفي .

                                                                                      وعن كعب ، أنه رأى بالشام عامر بن عبد قيس ، فقال : هذا راهب هذه الأمة .

                                                                                      قال أبو عمران الجوني : قيل لعامر بن عبد قيس : إنك تبيت خارجا ، أما تخاف الأسد !؟ قال : إني لأستحيي من ربي أن أخاف شيئا دونه . وروى همام عن قتادة مثله .

                                                                                      حماد : عن أيوب ، عن أبي قلابة ، لقي رجل عامر بن عبد قيس ، فقال : ما هذا؟ ألم يقل الله : وجعلنا لهم أزواجا وذرية ؟ قال : أفلم يقل الله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .

                                                                                      [ ص: 18 ] وقيل : كان عامر لا يزال يصلي من طلوع الشمس إلى العصر ، فينصرف وقد انتفخت ساقاه فيقول : يا أمارة بالسوء ; إنما خلقت للعبادة .

                                                                                      وهبط واديا به عابد حبشي ، فانفرد يصلي في ناحية ، والحبشي في ناحية ، أربعين يوما لا يجتمعان إلا في فريضة .

                                                                                      محمد بن واسع : عن يزيد بن الشخير ، أن عامرا كان يأخذ عطاءه ، فيجعله في طرف ثوبه ، فلا يلقى مسكينا إلا أعطاه ، فإذا دخل بيته ، رمى به إليهم ، فيعدونها فيجدونها كما أعطيها .

                                                                                      جعفر بن برقان : حدثنا ميمون بن مهران ، أن عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة : ما لك لا تزوج النساء؟ قال : ما تركتهن وإني لدائب في الخطبة . قال : وما لك لا تأكل الجبن؟ قال : إنا بأرض فيها مجوس ، فما شهد مسلمان أن ليس فيه ميتة أكلته . قال : وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال : إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات ، فادعوهم واقضوا حاجاتهم ، ودعوا من لا حاجة له إليكم .

                                                                                      قال مالك بن دينار : حدثني فلان ، أن عامرا مر في الرحبة ، وإذا رجل يظلم ، فألقى رداءه وقال : لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي ، فاستنقذه .

                                                                                      ويروى أن سبب إبعاده إلى الشام ، كونه أنكر وخلص هذا الذمي .

                                                                                      [ ص: 19 ] قال جعفر بن سليمان : حدثنا الجريري قال : لما سير عامر بن عبد الله -الذي يقال له : ابن عبد قيس - شيعه إخوانه ، وكان بظهر المربد ، فقال : إني داع فأمنوا : اللهم من وشى بي ، وكذب علي وأخرجني من مصري ، وفرق بيني وبين إخواني ، فأكثر ماله ، وأصح جسمه وأطل عمره .

                                                                                      قال الحسن البصري : بعث بعامر بن عبد قيس إلى الشام ، فقال : الحمد لله الذي حشرني راكبا .

                                                                                      قال قتادة : لما احتضر عامر بكى ، فقيل : ما يبكيك؟ قال : ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على الدنيا ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ، وقيام الليل .

                                                                                      وروى عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، أن قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس .

                                                                                      وقيل : توفي في زمن معاوية .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية